قصة الضيف الطماع
الضّيف الطّمّاع
كان يعيش في قرية لبنانيّة هادئة، تُطل على السّهل الفسيح والمزارع الخضراء الجميلة، نجار بارع ونشيط اسمه إبراهيم. تتألف عائلة إبراهيم من زوجته وأولاده الأربعة : طارق و سليم وعلياء وفادية. النجار إبراهيم يحب عائلته كثيراً، كما يحب عمله، ويقوم به بنشاط كبير، فهو لا يهدأ طول النهار، فلا يمر إنسان بالقرب من منجره (مصنع النجارة )، إلا ويلاحظ نشاط هذا النجار، ويسمع صوت قدومه: طق..طق..طق، أو خشّة منشاره؛ شوك.. شوك.. شوك. فيقف هؤلاء المارة يتفرجون بإعجاب على ما يصنعه هذا النجار، من صناديق و أبواب وشبابيك وغيرها من المصنوعات الخشبية التي يحتاجها كل بيت، ويعجبون بمهارته ودقة مصنوعاته وجودتها ويشكرونه على نشاطه وخفة يده.
كان هذا النجار البارع الأمين كلما انتهى من صنع مايطلبه منه الناس من أدوات ولوازم خشبية لبيوتهم ومحلاتهم التجارية، حملها وترك القرية إلى المدينة المجاورة ليسلمها إلى أصحابها، ويتقاضى منهم الثمن فيمتلئ جيبه بالمال فيشتري لأولاده الخضار واللحم والفاكهة والحلوى، ثم يعود إلى بيته مسروراً.
كان إبراهيم النجار يشتري الفاكهة والخضار من محل صديق قديم اسمه راجي. دعاهُ يوماً لزيارته في قريته فسُر راجي كثيراً من هذه الدعوة، وفي آخر الأسبوع ركب راجي حماره واتجه إلى قرية صديقه إبراهيم النجار، وصل راجي إلى بيت إبراهيم وطرق الباب بعصاه . ففتح له إبراهيم مرحبا وأدخله إلى بيته و عرّفه على زوجته وأولاده، فقدم لهم راجي سلّةً ملأى بالفواكه اللّذيذة، هدية منه لهم بمناسبة هذه الزيارة.
قدّمت زوجة النّجار إبراهيم لضيفها على عادة أهل قرى لبنان المشهورين بالكرم وحسن الضّيافة شراب الليمون، ثم قدمت له القهوة العربية اللذيذة. وجلس إبراهيم يتحدث مع ضيفه بلطف وإيناس، بعد أن أوصی زوجته أن تحضر للضيف وللعائلة غداء لذيذاً ، فذهبت ربة البيت وذبحت دجاجات البيت الخمسة لطهيها بعنايةٍ ولتقدّم للضيف العزيز وللعائلة أشهى ما عندها في هذه المناسبة.
نظفت زوجة إبراهيم الدجاجات، ثم حشتها بالأرز و اللحم المفروم واللوز، ووضعتها في القدر على النّار، ولما انتصف النهار ونضج الطعام، هيأت لزوجة المائدة ثم دعت الضيف والزوج والأولاد إلى الجلوس حول المائدة لتناول طعام الغداء، جلس أفراد العائلة السعيدة وضيفهم حول المائدة، فنظر راجي الضيف إلى الجاجات فوجدها خمسة بينما عدد الأكلِين سبعة، فقال لصاحب البيت: “كيف ستقسم هذه الدجاجات ؟”
أجاب إبراهيم النّجار ضيفه: “قسّمها كما تشاء، فأنت الضيف العزيز وصاحب الأمر”. قال الضيف: ” إذن أنا أخيّركم، بين أن أقسمها بالزوج أم بالفرد”، وهو يعني بالزوج، الأعداد التالية: إثنان، أربعة، ستة ، ثمانية … ويعني بالفرد، الأعداد التالية: واحد، ثلاثة، خمسة ، سبعة…
أجاب الجميع : “قسمها بالزوج أيها الضيف العزيز ” قال الضيف راجي : ليجلس طارق وسلیم قرب والدهما، ولتجلس علياء وفادية قرب والدتهما”وعندما جلس الجميع كما أشار راجي، وأصبح هو في وسط المجموعتين ، قال راجي: “أنت يا سيد إبراهيم وولداك طارق و سليم، ودجاجة، تصبحون أربعة بالزّوج. وأنت يا سيدتي وابنتاك علياء وفادية، ودجاجة، تصبح أربعة بالزوج كذلك. وأنا وثلاث دجاجات تصبح أربعة بالزّوج أيضا”.
فصاح الجميع وقالوا: “لا، لا نقبل بهذه القسمة، نرجو أيها الضيف العزيز أن تعود إلى القسمة من جديد وتجعلها بالفرد”.
قال راجي : “لا بأس، سأعود وأجعل القمة بالفرد كما تريدون”، إبراهيم وسليم ودجاجة يصبحون ثلاثة بالفرد، زوجة إبراهيم وطارق ودجاجة يصبحون كذلك ثلاثة بالفرد، عليا وفادية ودجاجة ثلاثة أيضاً، وأنا ودجاجتان نصبح أخيراً ثلاثة بالفرد. ووالله لن أعود عن هذه القسمة ولن أغيرها أبدا”.
تناول الضّيف راجی الدّجاجتين ووضعهما أمامه وأكلهما. وهكذا اضطُرّ صاحب البيت وزوجته وأولاده أن يقنع كل منهم بنصفِ دجاجة بعد هذه القسمة الظالمة من ضيفٍ طمّاع، بعد أن عاد هذا الضيف الطماع إلى بلده، نظر إبراهيم النجار إلى زوجته وأولاده وقال:
” هذه الطريقة التي اتبعها ضيفنا في أخذ أكبر نصيب لنفسه، تُسمى الطّمع. ونحن لا يجوز أن نحزن لذلك، فهو ضيفنا، ولكن علينا أن لا نلجأ إلى مثل عمله في حياتنا، فالطّمع مكروه من جميع الناس الطيبين، وصاحبه غير محبوب من أحد”.
سُرّ الأولاد كثيراً من قول أبيهم، ووعدوا بألا يكونوا في حياتهم من الطماعين ، كما ضحكوا من عمل هذا الضيف الطّماع.