بينا كنا جلوسًا في انتظار افتتاح جلسات ندوة (مخطوطات العروض)(1) نظر أستاذنا العلامة سعد مصلوح إلى أحد محوري الندوة (التراث العروضي: مرايا العصر وآفاق المستقبل)، وقال لي إنّ جمع (مرآة) على (مرايا) خطأ، وأنّ هذا جمع (مريّ)، وهي الناقة التي يمريها الرجل يستدرّها للحلب فتدر وإن لم يكن لها ولد.
وقول أستاذنا لا ينفي استعمالها قديمًا بل هو إشارة منه إلى مخالفة القياس فيها، ولذلك نجد أن من المعجميين من يخطئها كالأزهري (370ه) قال "والعوام يَقُولُونَ فِي جمع الْمرْآة: مَرَايَا، وَهُوَ خطأ"(2). ومنهم من يذكرها من غير تخطئة كالجوهري(396ه) قال "والـمِرْآةُ بكسر الميم: التي يُنظَر فيها. وثلاث مَراءٍ، والكثير مَرايا"(2). فالجوهري ذكر الجمع القياسي (المرائي) على بناء (المفاعِل)، وغير القياسي (المرايا)، ولعل قوله "والكثير مرايا" تدل على كثرة استعمالها، فالمرائي والمرايا سواء؛ إذ البناء واحد، وإنما الفرق بينهما إعلال ما حقّه التصحيح، إذ قلبت عين اللفظ وهي الهمزة ياءًا على الرغم من أنها أصل وليست مزيدة، وقلبت لامه ألفًا، ولذلك نجد ابن مالك يصف ذلك بالشذوذ، قال " كذلك شَذَّ مَرَايَا في جمع مِرآةٍ بإبدال الهمزة وهي غير عارضة في جمع"(4).
ونجد أوضح بيان لها عند ابن عقيل قال "(وربما عوملت الهمزة الأصلية، معاملة العارضة للجمع) وذلك قولهم في مرآة: مرايا، ومِرْآة مِفْعَلَة من الرؤية، وهي التي كمِطْرَقَة، والهمزة فيها أصلية، ليست عارضة للجمع، والأصل: مِرْأَيَة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، فصارت مِرْآة، وقالوا في جمعها: مَرائي، على وزن مَفاعِل، وهو القياس، ومَرايا، عاملوا الهمزة الأصلية، التي هي عين الكلمة، معاملة الهمزة العارضة للجمع، فأبدلوا ياء". أي جعلت مثل مطايا، قال الشاطبي "ألاَ ترى أنهم قالوا في وَجْه تصريف (مَطَايَا): إنه لما صار إلى (مَطَائِيُ) على مثال (مَطَاعِيُ) قلبوا كسرة الهمزة فتحة، لا لعِلَّة هنالك، بل لِيتَوصَّلوا إلى قلب الياء التي بعدها ألفا، فصار (مَطَاءَيُ)، ثم قلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها"(5). أي صارت (مطاءا)، وفي هذه المرحلة صار جمع (مرآة) مراءا، ولكنهم قلبوا الهمزة ياءًا كما قلبوها في (مطاءا)، قال الشاطبي "لأنها لما (صارت إلى (مطاءا) كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة تشبه الألف، فصارت كثلاث ألفات، فقلبوها ياء لقربها من أصلها، إذ لم يريدوا إبعادها عن أصلها جملة، فقالوا: مطايا". وكذلك قالوا (مرايا)، والفرق أن القلب في مطايا قياسي لأن الهمزة مزيدة، وأما في مرايا فهي أصل لأنها عين الواحد.
بقي أن نشير إلى أن (مرايا) مشترك لفظي، ظاهرها واحد وباطنها مختلف، فهي جمع (مريّ) وصف للناقة على بناء (فَعِيل)، وهي جمع مرآة على بناء (مِفْعَلة)، وجمع الأول مرايا على (فَعائِل) ميمه أصل(6)، وجمع الآخر مرايا على (مَفاعِل) ميمه مزيدة، ويتبين من البناءين كيف ساغ قلب الهمزة في الأول لزيادتها، وكيف شذّ قلبها في الآخر؛ لأنها عين الفعل.
والذي ينتهى إليه صحة جمع مرآة على مرايا لسماع ذلك بكثرة، حسب ما ذكر الجوهري، واللغة أوسع من قواعدها