الحقيقة أن الحديث عن التصنيفات الأدبية قد يطول نظراً لتعدد فروع الأدب وتنوعها، فهناك الكثير من الأصناف الأدبية، مثل: أدب الرحلة، أدب المرأة، أدب شعبي، أدب تاريخي، أدب السيرة الذاتية، أدب التشويق، و غيرها من أنواع الأدب المتعددة. وهناك أيضاً صنف أدبي قائم بذاته يسمى أدب الأطفال.
وعلى الرغم من الخلاف الذي يحدث مع بعض الأعمال الأدبية عند تصنيفها ضمن أدب الأطفال نظراً لنجاح تلك الأعمال على المستوى العام وليس فقط على مستوى الشريحة العمرية الموجه لها هذا النوع من الأدب، فأن هذه الأعمال تصنف دائماً في قائمة أدب الأطفال.
ومن أشهر الأعمال الأدبية التي وقع عليها هذا الخلاف عند صدورها هي سلسلة روايات (هاري بوتر) التي كتبتها (ج.ك. رولينج) في الأساس كروايات موجهة للأطفال والنشء.
وفعلياً لا يوجد تعريف واحد أو مشهور لتصنيف أدب الأطفال، ويمكن تعريفه على أنه: (مجموعة من الأعمال المكتوبة والمرسومة التي تم تداولها شفهياً في البداية قبل أن تكون مكتوبة. وغالباً ما تحمل هذه الأعمال رسالة أخلاقية واضحة في نهايتها كضرورة انتصار الخير على الشر).
أدب الأطفال ليس للصغار فقط
أدب الأطفال ليس للصغار فقط : روايات شهيرة للأطفال تصلح للكبار أيضاً!
ولكل بلد على مستوى العالم تراثه الغني لهذا النوع من الأدب، لكن المثير أنه بقليل من التركيز سنجد تشابهاً كبيراً في قصص الأطفال المتعارف عليها في كل البلاد، ربما لأنها في الأصل تكون مستوحاة من الوجدان الجمعي للأنسانية عامة. ولهذا نجد أن تلك القصص تجد صداها العام لدى جميع الأعمار.
من أمثلة هذه الروايات نجد كلاسيكيات الأدب العالمي التي كتبت في الأصل للأطفال، ولكنها نالت أعجاب الجميع وأثرت بهم. واليوم سنتحدث عن مجموعة من هذه الأعمال الشهيرة في عالم أدب الأطفال، التي بالتأكيد قرأناها جميعاً في شبابنا وبالتأكيد لا مانع لدينا في قرأتها مجدداً.
1- جزيرة الكنز
تعتبر “جزيرة الكنز” الرواية الأشهر للكاتب الأسكتلندي الأصل “روبرت لويس ستيفنسون” يمكن تصنيفها أيضاً ضمن فئة أدب المغامرة. نُشرت لأول مرة عام 1883 منذ صدورها للمرة الأولى استحوذت على أعجاب جميع القراء صغاراً وكباراً، قيل عن هذه الرواية أنها (حكاية تعيد الرجل إلى صباه).
تحكي الرواية قصة الصغير “جيم هوكينز” الذي خرج في رحلة على متن باخرة ليبحث عن كنز القراصنة المدفون في جزيرة بعيدة، وخلال الرحلة يكتشف أن رفاقة في الرحلة هم مجموعة من القراصنة شديدي الخطورة.
وتحولت الرواية إلى الكثير من أفلام الكرتون ودُبلجت بعضها إلى العربية، وربما كانت هذه هي الطريقة التي تعرف بها جيلنا على أغلب هذه الروايات، وتم تُرجمت الرواية حديثاً تبعاً لدار الرافدين للنشر والتوزيع في بيروت ونقلتها إلى العربية “رنيم العامري”.
2- الأمير الصغير
رواية “الأمير الصغير” للكاتب الفرنسي “إنطوان دوسانت إكزوبيري” هي رواية قصيرة تم التصويت لها كواحدة من بين أفضل كتب القرن العشرين في فرنسا، تُرجمت لأكثر من 300 لغة حول العالم، وتحافظ على مبيعاتها بنسبة تقارب المليون نسخة سنوياً حول العالم. تم تقديمها في العديد من العروض الفنية التي تنوعت ما بين المسرح والسينما والأوبرا، وآخرهم هو فيلم الرسوم المتحركة البديع الذي أنتجته شبكة Netflix سنة 2015.
تبدأ القصة بطفل صغير يفشل في توضيح فكرة رسمته إلى أهله، هو مقتنع أنها لأفعى تلتهم فيلاً وهم لا يرون فيها سوى قبعة !!
يقتنع الطفل بعدم موهبته في الرسم، ويكبر ليصبح طياراً تتعرض طائرته لحادثة وتسقط في الصحراء، يستيقظ في اليوم التالي ليجد طفلاً صغيراً ذهبي الشعر وله ابتسامة ساحرة يطلب منه أن يرسم له حملاً، يفاجأ الطيار من الطلب ويريه رسمته السابقة من أيام طفولته ليفاجأ بأن الطفل فهم المقصود من الرسالة !!
بعد ثلاثة محاولات فاشلة يرسم له صندوقاً ويخبره أن خروفه موجود بداخل الصندوق، والعجيب أن الطفل يرضى بهذه الأجابة.
بعد ذلك نتعرف على قصة الأمير الصغير القادم من كوكب صغير مهمته فيه تنظيف البراكين ويحكي عن علاقته الغريبة بزهرة صغيرة على كوكبه. ويحكي عن رحلاته السابقة إلى ستة كواكب أخرى قبل الأرض قابل فيهم ستة أنماط مختلفة من البالغين، ليعرض من خلالهم المؤلف صورة للحياة من وجهة نظر طفل صغير.
رواية بديعة تحمل أكثر من معنى ومغزى يراها الصغار كقصة مبهرة برسومها الملونة، ويبحث الكبار عن معنى كل فصل فيها.
تم إصدار نسخة للرواية باللغة العربية حديثاً تبعاً لدار الكرمة، تناول ترجمتها الأستاذ “محمد سلماوي” بترجمة تتميز بالسلاسة والأمانة كما تتميز هذه النسخة بوجود الرسوم الأساسية للمؤلف.
3- هايدي
تعد رواية “هايدي” للكاتبة السويسرية “يوهانا شيبري” من أشهر روايات الأطفال العالمية وأكثرها انتشاراً على مستوى العالم، تُرجمت إلى أكثر من 50 لغة.
نُشرت لأول مرة عام 1881 على جزأين متتاليين. وبالطبع تحولت إلى الكثير من الأفلام السينمائية وأفلام الرسوم المتحركة حول العالم. وقد تُرجمت الرواية إلى العربية حديثاً ضمن إصدارات منشورات التكوين ونقلتها إلى العربية (بثينة الإبراهيم) بلغة سلسة وأمانة عالية.
تحكي الرواية قصة الفتاة “هايدي”، الطفلة الصغيرة التي تعيش منعزلة في كوخ مع جدها في الريف السويسري، تعشق الطبيعة وتعيش ببراءة وبساطة بعيداً عن العالم والناس. احتضنها جدها وغمرها بالرعاية والحب فظنت أن العالم كله سيكون بصدق الجد وحنانه، وانه لا حدود للحرية والانطلاق بين ربوع الطبيعة الخضراء.
ينتهي الجزء الأول من الرواية بانتقال “هايدي” إلى فرانكفورت لتعيش في قصر أسرة ثرية هناك كرفيقة لابنتهم “كلارا” التي تبلغ 12 عاماً. وهناك يبدأ الجزء الثاني من الرواية حيث تواجه “هايدي” الحياة الحقيقية لأول مرة بعيداً عن أحضان جدها ونقاء الطبيعة. وتصدم بأنواع مختلفة من البشر وعقليات مختلفة. تقدم الرواية صورة واضحة للصراع الأبدي بين فطرة البشر النقية والأقنعة التي تجبرنا الحضارة على ارتدائها طوال الوقت.
4- بينوكيو
أنف “بينوكيو” هو العلامة المسجلة للكذب بين الأطفال، قصة ظريفة غنية عن التعريف، نُشرت لأول مرة عام 1883 بعنوان “مغامرات بينوكيو” للكاتب الأيطالي “كارلو كولودي”. من بداية نشرها تحول “بينوكيو” إلى أيقونة ثقافية، فهو بطل ملحمي بالنسبة للأطفال والكبار أيضاً.
دمية خشبية تطمح للحياة. وفي مقابل ذلك تخوض العديد من المغامرات. يعتقد البعض أن الأصل في اسم الشخصية قد اشتقه الكاتب من كلمة pine وهي تعني خشب الصنوبر الذي صنعت منه الدمية. يمكنك أن تجد الكثير من الدمى الخشبية اللطيفة التي تمثل شخصية “بينوكيو” في كل مكان.
تحولت القصة لأول مرة إلى فيلم سينمائي عام 1940 من إنتاج والت ديزني. بعد ذلك بالتأكيد تحولت إلى الكثير من أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة. نُقلت الرواية إلى العربية في العام الماضي بواسطة “يوسف وقاص” عن دار المتوسط للنشر والتوزيع.
5- أوليفر تويست
فيما تعد رواية “أوليفر تويست” هي ثاني روايات الكاتب الإنجليزي الشهير “تشارلز ديكنز“، نُشرت على هيئة حلقات من عام 1837 إلى عام 1839. مثل معظم كتابات “ديكنز” تنتقد الرواية الكثير من سلبيات الحياة في إنجلترا في القرن التاسع عشر. وتجسد واقع الشخصيات بشكل بعيد تماماً عن الرومانسية.
تحكي الرواية عن حياة الفتى اليتيم “أوليفر تويست” الذي قاسى كثيراً أثناء تواجده في ملجأ للأطفال حيث اعتاد على الشعور بالخوف والجوع وكأن هذا هو الطبيعي في الحياة. تتبع الرواية خط سير الطفل منذ خروجه من ملجأ الأطفال إلى ملجأ آخر ثم بيعه ليعمل تحت إمرة حانوتي ليساعده في دفن الموتى، ثم هربه إلى لندن ليصطدم هناك بعصابة صغيرة من الأطفال المشردين ليصطدم هناك بواقع مظلم وقاسٍ يُجبر فيه على العمل معهم ويعاني كثيراً حتى يصل إلى معرفة حقيقة أمه في النهاية.
رواية طويلة نوعاً ما يبلغ عدد صفحات نسختها الإنجليزية حوالي 320 صفحة. تم ترجمتها إلى الكثير من اللغات وتدريسها في العديد من الجامعات والمدارس. وهي بالتأكيد تصلح لجميع الأعمار. نقلها إلى العربية منير بعلبكي عن دار للنشر والتوزيع.
في النهاية لا يسعنا القول سوى أن الأدب محيط عميق، وفي كل نوع أدبي ستجد صلة وخطاً يجمع بين أكثر من نوع أدبي، وحتى الحكايات الشعبية التي اصطلح على تسميتها بـ “حكايات قبل النوم للأطفال” مع قليل من البحث سنجد أن لها أصل أدبي. لذلك ليس من الحكمة أن نحكم على عمل ما بأنه موجه للأطفال فقط دون الاطلاع وقراءة نصه الأصلي، الذي بالتأكيد سنجد فيه الكثير من المتعة مهما وصل بنا العمر.. فهكذا هو أدب الأطفال.
ياسمين احمد - اراجيك