كنت في لندن قبل ثلاث سنين
إجازة أسبوع كامل واثناء وجودي بمقهى كان يصادف وقت دوام للموظفين هناك والمدارس أراقب وجوه الداخلين والطالعين وأتلطع في وجه هذا وأحلل وجه هذا
عادة أحب أمارس هذه العادة بس بدون ماينتبهون إنك قاط وجهك عليهم
هناك لدى العم سام تآخذ راحتك ماهم عجلين يقولون ليش تناظر
والا وشو تريد وإلا غازلتنا وإلا رقمتنا
فجأة دخلت عجوز , شكلها مريح ومألوف وهذا شيء عادي لما تلتقي ناس أو تشوفهم
من أول نظرة , كانت طاولتي قريبة للكاشير فسمعتها وهي تطلب و كان خارجي الطلب
بمعنى ماراح تشربه في المقهى
على طاولتي الدائرية جوالين وكاميرا رقمية وكتاب وسبحة
ولما جات بتطلع كان لزاماً عليها تمر من جنب طاولتي
فجأة مرّت وانا حاس بوجودها ,
قالت :
يومك جميل انت معاك جوالين ولا تخاف ينسرقون حاطهم فوق الطاولة
رديت عليها قلت انا عندي جوالين بس ماني ثري
(الإنجليز وبعض الجنسيات يحسبون لما تكون عربي او عراقي خصوصا اي عندك بئرين
بترول بمطبخ بيتكم حنفيه تطلع بنزين والثانية ديزل )
ضحكت هي, واردفت قلت لها خوذي واحد منهم لك فداك
قالت هي : انت معاك جوالين اكيد عندك الكثير من الصديقات
انا ايضا بالمناسبة عندي جوالين وتشير لشنطتها لكن ماعندي صديق احكي له
ولا عندي أحد اتكلم معاه ابداً انت بذلك رجل محظوظ , انت شاب
وكأنها تقصد أنه خلاص ماعاد أحد يبيني بعكسك كشاب
قلت لها انا صديقك اجلسي ابي اسمعك انا ماعندي صديقات ولا شيء
إقتنعت بسرعه وبدون تفكير كثير وجلست وناظرتني نظره ماني فاهمها
وجلست قدامي تحكي يمكن 45 دقيقه متواصلة وانا افهم شتقول غالباً
لكن لما تنفعل من الموقف الي تتكلم عنه تعصب فأضيّع كلامها
بالرغم من انها تحاول ان كلامها يكون واضح , لكن اتفقت مع نفسي
إني اعلق على كلمة آها آي سي , كل دقيقتين عشان تحس إني متابع معها بالسالفة
وأنا اصلاً أكتب مسج لخويي اقول اذا شبعت نوم تلاقيني بذاك المكان
ولا تلبس برمودا فضحتنا بسيقانك
تتكلم وتشرب قهوة وذكرت تفاصيل حياتها بسرعة وزواجها
وعيالها وكيف قطاعتهم وكيف عندها احفاد جميلين بس ماتشوفهم
وعن زوجها وكيف مات وعن البنات وحركاتهم وعن الرجال
وانا اخوكم معلق آها آها آي سي ,
فجأة وقفت أثناء الكلام , وشكرتني وأخذت رقمها منها على عجل وودعتها وطلعت
جلست أطالع بها وأحلل الموقف بهدوء واراقبها وهي تنتقل بخفه مع عصاها
وشنطتها وكوب القهوة الي بتصوري إنتهى
مشيت مشيت حتى تجاوزت المقهى وصارت بالجهة الأخرى وانا اطالعها من
خلف الزجاج , وهي تمشي , فجأة , سقط , سقطت سقطة
حسيت انها من نوع السقطات الي مافيها ممانعه لقانون الجذب
سقوط بدون روح سقوط بدون اي امتناع منها او رفض او شيء
سقطت الموت اسميها
حتى وصلت لها كان قبلي عدة أشخاص وأحدهم يفحص نبضها ويحركها
انتظرنا دقائق حتى جائت فرقة الطوارئ الطبية وبسرعة أعلنوا وفاتها.
سكت ورجعت لطاولتي ولقيت جواليني على حالهم ما إنسرقوا ولا شيء ولا كاميرتي
كملت قهوتي وانا ساكت ساكت وساكت , رحت للمكالمات الصادرة ولقيت رقمها
ما سجلته بقائمة الأسماء مجرد بالمكالمات الصادرة
اخترت حفظ , وسجلته بإسم "ميته"
ولا زال الرقم معاي للآن
احسست بلحظة انا قالت كل الأحاديث الي تريحها قبل الموت , انها تكلمت تكلمت
وهي تعرف ان لا أحد سيسألها مستقبلاً عن اي من تفاصيل ماقالت
لازلت أتذكرها من وقت للثاني , ابتسم , وأصمت , أو غالباً أنام
لانها لاتزورني الا قبل النوم
إستغربت كثيراً من أن كوب القهوة احتل مساحة واسعة من الأرض بعد أن أنسكب عليها
وكأنها لم تشرب منه أبداً
عفوي