سطوة القرآن ...


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...

سطوة القرآن



من أعجب أسرار القرآن وأكثرها لفتاً للانتباه تلك السطوة الغريبة التي تخضع لها النفوس عند سماعه
(سطوة القرآن) ظاهرة حارت فيها العقول ..

حين يسري صوت القاريء في الغرفة يغشى المكان سكينة ملموسة تهبط على أرجاء ما حولك تشعر أن ثمة توتراً يغادر المكان ..

كأن الجمادات من حولك أطبقت على الصمت كأن الحركة توقفت هناك شئ ما تشعر به لكنك لاتستطيع أن تعبر عنه..

هذه ظاهرة ملموسة يصنعها (القرآن العظيم) في النفوس تحدث عنها الكثير من الناس بلغة مليئة بالحيرة والعجب..

يخاطبك أحياناً شاب مراهق يتذمر من والده أو أمه فتحاول أن تصوغ له عبارات تربوية جذابة لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعلا له وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك فإذا استعضت عن ذلك كله وقلت له كلمة واحدة فقط.



يا أخي الكريم يقول تعالى
** وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
[الإسراء:24]
رأيت موقف هذا الفتى يختلف كلياً شاهدت هذا بأم عيني ومن شدة انفعالي بالموقف نسيت هذا الفتى ومشكلته ..

وعدت أفكر في هذه السطوة المدهشة للقرآن نغمات صوته تغيرت


يا ألله كيف هزته هذه الآية هزاً ..



حين قدمت للمجتمع الغربي أول مرة قبل ثلاث سنوات اعتنيت عناية بالغة بتتبع قصص وأخبار
(حديثي العهد بالإسلام) كنت أحاول أن أستكشف سؤالاً واحداً فقط:


ماهو أكثر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟

(حتى يمكن الإستفادة منه في دعوة البقية)، كنت أتوقع أنني يمكن أن أصل إلى (نظرية معقدة) حول الموضوع، أوتفاصيل دقيقة حول هذه القضية لايعرفها كثير من الناس، وقرأت لأجل ذلك الكثير من التجارب الذاتية لشخصيات غربية أسلمت، وشاهدت الكثير من المقاطع المسجلة يروي فيها غربيون قصة إسلامهم .

عرفت أنهم (سمعوا القرآن وشعروا بشعور غريب استحوذ عليهم) هذا السيناريو يتكرر تقريباً في أكثر قصص الذين أسلموا، وهم لايعرفون اللغة العربية أصلاً! إنها سطوة القرآن..



ومن أعجب أخبار سطوة القرآن قصة شهيرة رواها البخاري في صحيحه وقد وقعت قبل الهجرة النبوية وذلك حين اشتد أذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب، فحينذاك أذن النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة فخرج أبوبكر يريد الهجرة للحبشة فلقيه مالك بن الحارث (ابن الدغنّة) وهو سيد قبيلة القارَة وهي قبيلة لها حلف مع قريش وتعهد أن يجير أبا بكر ويحميه لكي يعبد ربه في مكة.



يقول الراوي:


فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصّف عليه نساء المشركين (أي يزدحمون وأبناؤهم) يعجبون وينظرون إليه مأخوذين بجمال القرآن وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين).

فانظر كيف كان ابوبكر لا يحتمل نفسه إذا قرأ القرآن فتغلبه دموعه وانظر لعوائل قريش كيف لم يستطع عتاة وصناديد الكفار عن الحيلولة بينهم وبين الهرب لسماع القرآن.



هل هناك انفعال وتأثر وجداني أشد من السقوط إلى الأرض؟ تأمل معي هذا المشهد المدهش الذي يرويه ربنا جل وعلا عن سطوة القرآن في النفوس:
** قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}
(107) سورة الإسراء

يقول تعالى:


** وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ }
[المائدة:83]

أي شخص يقرأ الآية السابقة يعلم أن هذا الذي فاض في عيونهم من الدموع حين سمعوا القرآن


أنه شئ فاق قدرتهم على الاحتمال .

هذا السر الذي في القرآن هو الذي استثار تلك الدمعات التي أراقوها من عيونهم حين سمعوا كلام الله لماذا تساقطت دمعاتهم؟ إنها أسرار القرآن..


هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني الإنسان حين يسمعون القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أو ملاحظات نفسانية بل هي شئ أخبرنا الله أنه أودعه في هذا القرآن ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط ..


بل أيضاً تأثيره الخارجي على الجوارح الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن قشعريرة عجيبة تسري في أوصال الإنسان حين يسمع القرآن ..

يقول تعالى:

** اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ }
[الزمر : 23]

لاحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر، تقشعر الجلود ثم تلين إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الإيماني بل والاستعداد المفتوح للانقياد لمضامين الآيات..



وفي مقابل ذلك كله حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولايخضع لمضامينها، ولاينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره وهو هاجر لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه إذا رأيت ذلك كله فاحمد الله يا أخي الكريم على العافية.

وتذكر قوله تعالى
** فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
[الزمر: 22]

وحين يوفقك ربك فيكون لك ورد يومي من كتاب الله .


ولك أن تستشعر منة الله وفضله عليك أن أكرمك بهذه السويعة مع كتاب الله


اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته وأحي اللهم قلوبنا بكتابك.