النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

| مجرد تراب |

الزوار من محركات البحث: 23 المشاهدات : 467 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    τhe εngıneereD ❥
    تاريخ التسجيل: March-2020
    الدولة: IraQ
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 24,613 المواضيع: 719
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 17768
    مزاجي: MOOD
    أكلتي المفضلة: Fast Food/Bechamel Pasta
    آخر نشاط: 18/August/2024
    مقالات المدونة: 6

    | مجرد تراب |

    ....

    عندما دخلت الفندق, استلقيت على الفراش محاولاً أخذ قسطاً من الراحة.
    نهضت على الفور بعدما رأيت ساعة الجدار تقترب من السادسة. أدركت أني تأخرت عن صلاة العصر، خلعت بعض ملابسي ثم توضأت، وقررت أن أصلي العصر ركعتين.
    لم أجد أي إشارة تدل على جهة القبلة، أمسكت بالهاتف المحمول لعله يدلني , لم أجد فيه اسم المدينة التي أنزل بها.
    ضغطت على زر يوصلني بإدارة الفندق. جاءتني إحدى العاملات بابتسامة رقيقة. طلبت منها تحديد جهة الشمال.
    صليت إلى الجهة التي حددها لي الهاتف المحمول، فتحت حقيبتي لأستخرج منها قميص أرتديه أثناء نومي.
    لاحظت على الحقيبة شيئاً عجيباً تعلق بإحدى عجلاتها، كمية كبيرة من الطين, لا أذكر من أين. هل من الطائرة؟ هل من سيارة الأجرة التي حملتني من المطار إلى الفندق؟ هل من الفندق نفسه؟ أظن أن كل ذلك مستحيل. كل ذلك كان نظيفاً تماماً، بل أكثر من أن يترك أثراً على الحقيبة.
    حبست كل أفكاري, شيدت سوراً عالياً حول ذاكرتي, لم أسمح بهروب أي معلومة من عقلي. أنه من طين بلدي. تذكرت, لقد سحبت الحقيبة هناك على حفرة بها ماء راكد أثناء ذهابي لأصعد سلم الطائرة، لابد أن قطعة الطين من تلك الحفرة.
    تعجبت كيف سمح رجال المطار في بلدي الحبيب بمرور الطين أمامهم؟! بل الأعجب كيف سمح رجال مطار الدولة المضيفة بمرورها أمام أعينهم؟!! أين أجهزتهم المتطورة؟!! ألم ترَ كل هذه الكمية من الطين؟!! إنها تزيد عن الخمسين جراماً, كيف لم يكتشفوها أو كيف يسمحوا بدخولها إلى بلدهم بدون تصريح ؟!!
    هممت أن أنزع الطين من عجلة الحقيبة.
    لكن نفسي صاحت : ( كيف تجرؤ على نزع طين بلدك لترميه؟ ).
    حمدت الله أنني بالغرفة بمفـردي فلو رآني أحدهم وأنا أضحك على صياح نفسي لاتهمني بالجنون.
    ـ يا نفس إنه مجرد تراب … اختلط ببعض الماء الراكد فصار طيناً.
    ـ وهذا يزيد صياحي, ليس تراب فقط! إذن هو بعض تراب بلدك وبعض مائه … أيهون عليك حتى تفرط فيهما بهذه السهولة؟
    ـ لكنه الآن مجرد تراب تعلق بالحقيبة ويجب عليَّ إزالته!
    أجابت نفسي المتفلسفة:
    ـ من يفـرط في ذرة من تراب بلده يفـرط في شبر منها ومن يفـرط في شبر يفـرط في … .
    ـ رويدك أيتها النفس المتحذلقة … أنا هنا غريب في هذه الدولة, وما جئت إلا في مهمة تجارية بحتة، وأنت تعلمين أنني لستُ من الساسة ولست من العسكر, وليس للطين ولا للتراب أي دخل في مهمتي.
    دفعتني إلى المقعد القريب وكأنها اصطادت خطأً رهيباً صاحت بصوت أعلى من السابق:
    ـ الحمد لله لقد اعترفت بنفسك … إذن لماذا تتدخل فيما لا دخل لك فيه … دع تراب البلد وماءه للساسة وللعسكر ولا تفـرط بشيء منهما واهتم بمصالحك التجارية التي قدمت من أجلها.
    نظرت حولي بحثت عن مرآة لعلي أصفع فيها تلك النفـس طويلة العبارة سليطة البيان.
    ـ يا نفـس إنه مجرد تراب؟ … فلماذا كل هذه القصة؟
    عادت لتقاطع تفكيري … احتوتني بنظرة شرسة ثم أعقبتها بنظرة أكثر شراسةٍ من الأولى بدأتها من أخمص قدمي حتى مفـرق رأسي . ثم توشحت لباس الحكيم وهي تقول:
    ـ كل إنسان مسئول عن تراب بلده سواء كان من الساسة أو من العسكر أو من التجار … أو أي شيء آخر، أنت تفـرط في حبات من تراب بلدك لأنك لا تستطيع أكثر من ذلك.
    ـ يا نفـس, دعك من هذا كله … ارحميني من سفسطائيتك … أريد أن أستريح … ينتظرني عمل شاق. منذ أن خرجت من بلدي ولم أنم … ألا تقدري أني لم أنم منذ أكثر من يومين؟
    صرخت … ( كاد صوتها يأتي بعاملة الفندق أو أحد حراسه ) :
    ـ أتريد النوم؟! … أتريد الراحة؟! … خارت العزائم … هلك الأبطال … استيقظ يا رجل … تراب بلدك يضيع في تلك الدولة وأنت تنام!
    تركت جسدي يسقط على الفراش :
    ـ يا نفس لقد مللت حديثك … فقط أريد النوم ولعلي بعد أن أستيقظ أناقش معك تلك القضية التي عجزت عن فهمها.
    ـ يا هذا أنسيت أن من أجل حفنة تراب تراق الدماء ويسقط الرجال ؟… يا هذا قم ولا تفرط في تراب بلدك وتتركه لهؤلاء القوم
    إنهم إما أهانوه فألقوه في القمامة, أو أخذوه إلى معاملهم ليحللوا عناصره وليعرفوا ما الذي يحتويه من معادن ومن خيرات, يا هذا ألم تزعم يوماً أنهم من تركيب التربة يعرفون طباع ساكنيها فيعــدوا نظرياتهم للسيطرة على تلك العقول وذلك التراب؟
    طار النوم من عيني ولا أدري لأي مكان طار … تعجبت لفلسفة نفسي … أدخلت الحيرة بالفـعل على عقـلي … هل أقوم وأنزع قطعة الطين وأحفظها حتى أعيدها إلى وطني؟ … أم أضرب بفلسفتها عرض الحائط وألقي بقطعة الطين في سلة المهملات الجاثمة أمامي؟
    لاحظت أن سلة المهملات تغازلني… تغمض عين واحدة وتبتسم لي لعلي أقع في حبائلها وألقي في جوفها بالصيد الثمين.
    وجم ثلاثتنا أنا ونفسي وسلة المهملات … .
    طرقٌ خفيفٌ على باب الغرفة … .
    أصدرتُ صوتاً يسمح بدخول الطارق.
    دلفت عاملة الفندق … في إحدى يديها صحف عربية و أجنبية. في يديها الأخرى بعض الحلوى والشطائر محمولة على صفحة ذهبية مرصعة بقطع من الزجاج البراق … على الصفـحة بطاقة صغيرة مكتوب عليها بخط عربي واضح ( نتشرف بخدمتك ).
    لاحظت العاملة شيئاً اندفعت إليه، كاد أن يسقط منها كل ما تحمل, لولا أنها تداركت نفسها فوضعته على الطاولة الوحيدة الموجودة بالغرفة.
    لم تقل لي شيئاً, لكنها خرجت مسرعة، وبنفس السرعة عادت. حملت معها جهاز كهربائي صغير, وجهته إلى الحقيبة، وبالتحديد إلى قطعة الطين, ضغطت على زر, ابتلع الجهاز قطعة الطين.
    ابتسمت الفتاة ثم انحنت قليلاً أمامي معتذرة في خبث حاملة داخل أحشاء جهازها الصغير قطعة الطين, ثم خرجت.
    لم أدرِ هل أضحك على المحاورة السابقة مع نفسي أم أحزن لأني لم أحافظ على تراب بلدي.
    أخيراً استلقيت على الفراش ووضعت مزلاج باب الغرفة على وضع النوم.
    ابتسمت وأنا بين النوم واليقظة فليس مهمتي في تلك البلاد الغريبة المحافظة على التراب. وليس خطأي أن عاملة الفندق اجتثتها من الحقيبة. إنما خطأ من سمح لتراب بلده بأن يخرج من بين أيديهم وتحت أنظارهم.
    فكرت وأنا أهم بولوج بوابة الغطيط بأن كل ما حدث لا يعدو إلا محاورة مع النفس من أجل مجرد تراب.


    للكاتب و المؤلف:
    أبو إسحاق مصطفى آل زكي

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: November-2019
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 40,173 المواضيع: 14,307
    صوتيات: 462 سوالف عراقية: 8
    التقييم: 33939
    آخر نشاط: 30/August/2021
    مقالات المدونة: 4
    شكرا يلغلا

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    τhe εngıneereD ❥
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ‌‏ᓆ‏j‏g‏ᓄ‏⍺ مشاهدة المشاركة
    شكرا يلغلا
    نورتي حياتي
    ،،،

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال