ماذا أصاب أمّتنا؟ وهل نحن حقًا خلف لأولئك الّذين انتشروا في الأرض يبلّغون الأمم دعوة الإسلام، ويقتبسون ما صادفوه من العلوم والصناعات الّتي لديها، وأخذوا يتدارسونها ويتقنونها؟ هؤلاء هم أسلافنا نعم. لكن شتّان بين ما يشغلنا وما كان يشغلهم.. فبينما نحن في ذيل الحضارة الغربية، نقتات ممّا تلفظه من نفايات، كان أجدادنا يستولون، في البلدان الّتي افتتحوها، على أمهات المصادر العلمية ويستأجرون العارفين بلغتها كي يترجموها ترجمة حرفية، ويغدقون على أولئك التراجمة من المال ما يغريهم على الاجتهاد.. فأين تذهب أموالنا؟ أفي البحث العلمي أم فيما ضرُّه أكثـر من نفعه؟
وهذه شهادة أحد العلماء الغربيين، ''دريبر'' في كتابه ''المنازعة بين العلم والدّين''، حيث قال ممجّدًا المسلمين الأولين، بعد أن عدَّد مآثرهم في العلوم الطبيعية: ''لو أردنا أن نستقصي كلّ آثار هذه الحركة العلمية العظمى لخرجنا عن حدود هذا الكتاب... فإنّهم قد رقوا العلوم القديمة ترقية كبيرة جدًّا، وأوجدوا علومًا جديدة لم تكن معروفة قبلهم''.. ويقول في موطن آخر: ''إنّ جامعات المسلمين كانت مفتوحة للطلبة الأوروبيين الّذين نزحوا إليها من بلادهم لطلب العلم، وكان ملوك أوروبا وأمراؤها يغدون على بلاد المسلمين ليعالجوا فيها''.
ويقول ''سديو'' هو الآخر، في كتابه ''تاريخ العرب'': ''كان المسلمون في القرون الوسطى متفرّدين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروها أينما حلّت أقدامهم وتسرّبَت عنهم إلى أوروبا، فكانوا هم سببًا لنهضتها وارتقائه..''.
ورحم اللّه من قال:
شهد الأنام بفضله حتّى العدا والفضل ما شهدت به الأعداء
فمن المدين للآخر يا ترى؟ إلى متى تظلّ أمّتنا بلا قائد يجمع شملها ويرعى مصالحها ويحميها من الآفات ويقيها شرّ الخصوم؟ ألم تخش أن يتحقّق فيها قول اللّه تعالى: {قُل هو القادر على أن يبعَث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجُلكم أو يُلْبِسكم شيعًا ويُذيقَ بعضكم بأسَ بعض} الأنعام:56، جزاء سوء فهمنا لتعاليم ديننا الحنيف وسوء استغلال ثـرواتنا الّتي منّ اللّه بها علينا، وجزاء ولايتنا للّذين أفقرونا بالأمس وجوّعونا اليوم؟..
وماذا سيفعلون بنا غدًا؟ فالحلّ في الوحدة، والوحدة وحدها تنجينا من هذه الكروب!
قرأته من صحيفة الخبر الجزائرية بعنوان إلى أيّ علم يدعو الإسلام الحنيف؟