قَالُوا عَنَي بأنني سَارِقٌ للجمال
وَبِأَنَّهُم لَن يَقْبَلُوا مِنًي أعذاري
فأوصدوا عَلِيًّا أَبْوَابَهُم
وعلقوا عَنِّي أوراقهم
وأودعوني بِسِجْن أفكاري
قَالُوا أَمْلَاك وَصِفَتِهَا
بِعَيْن سَارِقٌ رصدتها
دُونَ إذْنٍ مِنْ أَحَدِ أَوْ اخْتَارَ
قَالُوا
سُرِقَت جَمَال الرَّبِيع
وزينت بِه أشعارى
ونسيم اللَّيْل صَنَعْت مِنْهُ
ثَلْج لِحَرّ أوراقى
وَسُرِقَت بَيَاضِهَا وَحَرِيرٌ خمائلها
وَحَلَّاة رِيقِهَا فِى جَمِيع خواطرى
وَنَسَجْت مِن جَمَالِهَا نثائرى
ورقعت مِن أثوابها دفاترى
وَرُسِمَت صُوَرِهَا وَعَلَقَتُهَا
عَلَى حُرُوفِ أشعارى
قَالُوا بِأَنَّنِي
تَعَدَّيْت عَلَى أَمْلاَكِ قَائِمَةٌ
وحواجز راكنه
وَأَفْزَعَت أَشْجَارٌ نَائِمَةٌ
وَسُرِقَت لَحْنٌ الْعَصَافِير
وزمجرة الرِّيح وعزفتها بأوتاري
قَالُوا بأننى
مُزِجَت رِيقِهَا بأحبارى
وَمَهّدْت طُرُق
لِسَيْرِها بخيالي
وَأَرْسَل روحى إلَيْهَا
كُلَّمَا أذدادت هواجسي
وبأنى رسمتها ونسجتها وَنَحَّتْهَا
فِى جَمِيع أشعاري
قَالُوا
جرائمى لَا تُغْتَفَرُ
وَاسْتَحَقّ مِنْ الْجَمِيعِ احْتِقَار
وبأننى لَا أَسْتَحِقُّ الْعَيْش كَرِيمٌ
وَالْقَبْر والنفى جَعَلُوه أَحَدٌ اخْتِيَاراتيّ
وَلَكِنَّنِي
لَمْ أَجِدْ عَاقِل يناصرني
وَلَمْ أَجِد
ْ فِى جَمِيع التُّهَم أدانتي
فَأَنَا
مِنْ أَصَابَهُ الضَّرَر
فلهيب حَبُّهَا طالني بِالشَّرَر
تَحْمَرّ عيونى مِن دمعى كَالْجَمْر
وتنسل رُوحِي مِنِّي كالقطر
وترحل أَوْقَاتِي بغضبها
دَائِمًا عَنِّي دُون صَبَر
وَرَعَدَت جَوَارِحِي لِرُؤْيَتِهَا
وَخَفَقَان قَلْبِى لطلتها
وذوبان مسامعى مِنْ أَصْواتِها
كألحان اللَّيْلِ إِذَا عَزَف الشَّجَر
وَرِقَّتِهَا تبعثرنى إذَا تَكَلَّمَتْ
تنثرني أَشْلَاء إذَا ضَحِكَتْ
وتذبحني غيرتها دُون الْآلَام
فَمَن غَيْرِى أَصَابَه الضَّرَر
مِنْ السَّارِقِ إذَا سَقَطَ الْمَطَر
وَعُبّئت مِنْه قَوَارِيرِي
وَنَزْع الْخَرِيف أَوْرَاقَه
وأشعلت مِنْه قناديلي
وَأَلْقَت النُّجُوم نُورَهَا
وَعَقَدَت مِنْهَا جَواهِرِي
وانتحرت الزُّهُور مِن جَمَالِهَا
وَصَنَعَت مِنْهَا عطورى
فَهَل فِى أفعالى جَرَائِم لَا تُغْتَفَرُ
غَسَّان إِبْرَاهِيم