عالج الفصل الأول خمسة مباحث مهمة هي: الكلم، والإعراب، والبناء، والممنوع من الصرف، والمعرفة والنكرة. وأما الكلم فتناول ثلاث قضايا متصلة به أهمها أقسام الكلم التي عرف عن ابن صابر تفرده في مخالفة القسمة الثلاثية التي أجمع عليها النحويون منذ سيبويه، فقال ابن صابر بقسم رابع سماه (الخالفة) أي ما عرف عند النحويين باسم الفعل، ولعله أراد بالخالفة ما تخلف عن الالتحاق بالأسماء والأفعال، فله من صفات الأسماء وله من صفات الأفعال؛ ولكنه ليس مخلصًا لأحدهما، والقسمة الثلاثية كانت مدخلًا للدارسين المحدثين لينتقدوا النحو القديم واتهامه بالقصور عن تقسيم الكلم وفاق ما يقتضيه الوصف اللغوي؛ ولكنهم حين وضعوا بديلًا للقسمة القديمة لم يتفقوا اتفاق القدماء، وغاب عنهم أمر جوهري أن القسمة الثلاثية هي قسمة عامة تتفرع منها أقسام تستوعب على نحو شامل ودقيق مفردات اللغة المتباينة فالأسماء أقسام والأفعال أقسام والحروف أقسام، ويمضي الباحث إلى بيان قضية من قضايا الكلم أخص من تقسيمه وهي معنى الحرف أي تحديد مفهومه مبنى ومعنى، ومما يتصل بذلك ما هو أخص من معنى الحرف وهو الموقف من تاء التأنيث المتصلة بالأفعال أحرف هي أم اسم؟ وأما الإعراب فمن أهم قضاياه دلالة علامات الإعراب على المعنى منذ كان الإعراب فرعًا على المعنى، ويظهر لنا هنا ما رواه الزجاجي من مخالفة قطرب للنحويين في إنكاره دلالة الحركات على المعنى، والملاحظ في النص الذي ساقه الزجاجي أن مقصد قطرب من المعنى يختلف عن مقصد النحويين؛ فهم يريدون المعنى الوظيفي من فاعلية ومفعولية، وهو يريد معنى أعم من ذلك، ومهما يكن من أمر فقوله كان متّكأً لناقدي النحو من ابن مضاء حتى إبراهيم أنيس. ويقفنا الباحث على ما نسب إلى الزجاج من تفرده بالقول ببناء المثنى وجمع المذكر السالم ليستبعد هذه النسبة. وليس من غرضنا هنا الوقوف عند دقائق مباحث الكتاب لأن ذلك أمر يطول، ولأنه لا غنى للقارئ الأريب من قراءة الكتاب كاملًا.
ويدخل الباحث في الفصل الثاني من الكتاب في معالجة قضايا الجملة الأساسية فيكون ذلك في أربعة مطالب هي: الفاعل ونائبه، والمبتدأ والخبر، والأفعال، والنواسخ. ومن الطبيعي أن يكون الفصل الثالث مخلصًا لمكملات الجملة، وفيه مباحث هي: المفعولات، والتوابع، والمشتقات، والإضافة، والحق بهذه المباحث خامسًا جعله للمتفرقات.
تميزت لغة الباحث بالوضوح ودقة الصياغة والسلامة اللغوية العالية. واستعان في إنجاز بحثه على طائفة كبيرة من المصادر والمراجع المهمة فأحسن الاستفادة منها، وكان قارئًا ناقدًا يتحرى الحكمة فيقتنصها، ويمحص الأقوال ليرتضي منها ما يراه ملائمًا.
جاء هذا العمل نتيجة قراءات موسعة معمقة للتراث النحوي وما تلاه من دراسات تناولته بالنقد والتحليل، وأرى الباحث وفق في جلاء كثير من الأقوال وبيان وجه الصواب فيها. وأحسب عمله هذا من الأعمال الرائدة التي يمكن أن تكون منطلقًا للباحثين الذين يهمهم تفهم النحو ومحتواه على النحو الصحيح الواضح.