قال الشيخ محمد عبده رحمه الله عند تفسيره قوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ}[البقرة-259]: "الكاف في قوله {أو كالذي} بمعنى (مثل) فهي اسم، ومن الشواهد على ذلك قول الراجز[العجاج]:
بِيضٌ ثَلَاثٌ كَنِعَاجٍ جُمِّ *** يَضْحَكْنَ عَنْ كَالْبَرَدِ المـُنْهَمِّ
أي عن ثنايا مثل حبّ البرد الذائب، وقول الشاعر[الأعشى]:
أَتَنْتَهُونَ ولَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ *** كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ
وزعم (الجلال)(1) أنها زائدة، انتصارًا لمذهب البصريين الذين أنكروا مجيء (الكاف) بمعنى (مثل)؛ ولكن المعنى لا يستقيم كما يليق ببلاغة القرآن إلا على الأول. وإن تحكيم مذاهبهم النحوية في القرآن، ومحاولة تطبيقه عليها وإن أخلّ ذلك ببلاغته جراءة كبيرة على الله تعالى، وإذا كان النحو وجد لمثل ذلك فليته لم يوجد"(2).
والشاهدان من شواهد البصريين على اسمية الكاف(3)، ولذلك لا يصح القول بإنكار البصريين مجيء الكاف بمعنى مثل، وعدّد المرادي الأحوال التي يمكن فيها عدّ الكاف اسمًا بمعنى (مثل)(4)، وأما (الجلال) فاتبع في عدّها زائدة الأخفش، جاء في معاني القرآن "{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله أعلم - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [258] {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} والكاف زائدة. وفي كتاب الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يقول: (لَيْسَ كَهُو) لأنَّ الله ليس له مِثْل"(5). ولعله هو المقصود في قول الطبري "وقد زعم بعض نحويي البصرة أن (الكاف) في قوله {أو كالذي مر على قرية} زائدة، وأن المعنى: ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم، أو الذي مر على قرية. وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع"(6).
فليس كل البصريين حسب الطبري ذهبوا إلى الزيادة، وليس البصريون منكرين لمجيء الكاف بمعنى (مثل) مطلقًا؛ بل توقف منهم من توقف في الكاف من قوله تعالى {ليس كمثله شيء}؛ تحرجًا من إثبات المثل لله(7).
والذين لم يذهبوا إلى زيادة (الكاف) لم يسلموا من التأويل، فهذا الفراء يقول: "وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ}[البقرة-258]: وإدخال العرب (إلى) فِي هذا الموضع على جهة التعجب كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى- والله أعلم-: هَلْ رَأَيْت مثل هذا أو رَأَيْت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ فكأنه قال: هَلْ رَأَيْت كمثل الَّذِي حاج إِبْرَاهِيم فِي ربه {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها}"(8).
فالفراء الذي لا يثبت الزيادة يثبت الحذف، فيقدره بقوله (كمثل)، وأما القول بالزيادة فهو موافق لما عليه اللغة العربية المشتملة على شواهد لما زيد فيها، والقرآن الذي نزل بلسان عربي مبين استعمل العربية بما اتصفت به من نظام وبما اشتملت عليه من ألفاظ أعجمية دخيلة صارت عربية باستعمال العرب لها، فالقرآن يزيد كما تزيد العرب، ويحذف كما يحذفون، والقول بالزيادة أو الحذف لا يغض من قيمة القرآن ولا ينال منزلته بسوء.
ولعل الأمر البين الواضح أن ليس من الصواب نفي الزيادة نفيًا مطلقًا على نحو ما فعل فضل حسن عباس(9)، ولا الإسراف في الزعم بزيادة ما يمكن أن يحتمله النص لاقتضاء المعنى له. وإلى مثل هذا انتهت الباحثة سهير إبراهيم أحمد سيف التي توافق النحويين في القول بالزيادة ولكنها تتوقف في بعض ما وصف بأنه مزيد