ولد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن القدعي في فلنسية عام (513هـ=1199م)، وقد لقب بابن الأبار لأن والده اشتغل بصناعة وبيع الإبر، وكان والده بجانب ذلك من شعراء وفقهاء فلنسية البارزين.

وقد ذكر ابن الأبار أن والده هو أستاذه الأول في مجال الفقه والأدب، وكان يرافقه باستمرار إلى مجالس الأدب التي كان يحضرها، وبعد أن نهل من مورد الأدب، شغف ابن الأبار بعلم التاريخ، حيث سيصبح من أهم مؤرخي الأندلس.

عاش ابن الأبار خلال فترة عصيبة من تاريخ الأندلس، تجلت في هزيمة معركة العقاب سنة 1212م، وفقدان أجزاء كبيرة من الأندلس من طرف الموحدين، وظهور ملوك الطوائف من جديد، واستيلاء النصارى على قرطبة، وبداية محاصرتهم لفلنسية، مما أجبر أميرها أبا جميل ابن مردنيش إلى إرسال ابن الأبار في سفارة إلى تونس لطلب المساعدة من الحفصيين.

وقد نظم ابن الأبار قصيدة مؤثرة يروي فيها مآسي الأندلس تلاها أمام السلطان الحفصي، وفيها يروي كيف أصبحت المساجد وأماكن العبادة مباحة للنصارى الذين حولوها إلى حانات وكنائس..

وقد تأثَّر السلطان لذلك، وأرسل مع ابن الأبار مساعدة تمثَّلت في اثني عشر مركبًا محمَّلةً بالأسلحة والذخائر والمال.

غير أنَّ المساعدة وصلت متأخرة؛ إذ تعذَّر على الأسطول دخول الميناء الذي يُحاصره النصارى، ممَّا أجبره على تغيير وجهته نحو دانية.

وبسبب الحالة المزرية التي كانت توجد عليها فلنسية نتيجة الحصار، الذي أدَّى إلى استفحال المجاعة، استدعى أميرها ابن الأبار ليتفاوض مع النصارى بخصوص استسلام المدينة الذي تم سنة (636هـ=1238م).

وسيعود ابن الأبار إثر ذلك إلى تونس التي استقبله أميرها بحفاوة ثم عيَّنه شاعرًا للبلاط، قبل أن يتم نفيه إلى بجاية بسبب مؤامرةٍ دُبِّرت ضدَّه.

في تونس انتهى ابن الأبار من تأليف كتابه: "التكملة لكتاب الصلة"، والذي يدرج فيه سيرة علماء الأندلس.

وفي بجاية كرَّس وقته لإكمال كتابه الثاني: "الحُلَّة السِّيَرَاء"، الذي خصَّصه لسيرة أبرز أمراء وشعراء المسلمين، وكذا لتأليف كتابٍ جديدٍ هو: "إعتاب الكتاب"، والذي يطلب في مقدِّمته من الأمير الحفصي أبي زكريا ووليِّ عهده عبد الله المستنصر بالله أن يغفرا له.

وقد قرَّبه منه هذا الأخير عندما خلف والده على العرش حيث عينه مستشارًا خاصًّا، وحسب بعض المصادر التاريخية، فإن السلطان الجديد ما فتئ أن غضب من ابن الأبار الذي أمر بنفيه من جديد إلى بجاية، ليُكرِّس وقته هناك للكتابة في مجال التاريخ والأدب.

وقد ألَّف خلال هذه المرحلة كتابه "دُرر السِّمْت في خبر السِّبْط"، بالإضافة إلى كتابٍ في الشعر يُعتبر اليوم مفقودًا.

وبسبب سعيه الحثيث لرضى السلطان، صفح له هذا الأخير من جديد، وأعاده إلى البلاط، لكن بعد ذلك سيقوم أعداؤه بحياكة مؤامرةٍ أخرى ضدَّه، حُكِم عليه بسببها بالإعدام.

وقد قيل إنَّ السبب هو تجرُّؤه على قراءة بُرج وليِّ العهد "الواثق" بطريقةٍ لم تُعجب والده، الذي اتَّهمه بممارسة التنجيم، وبأنَّه شيعي، وبإساءة الأدب مع وليِّ نعمته، وقد أمر السلطان بعد ذلك بتفتيش بيته من طرف ألدِّ أعدائه الذين قالوا إنَّهم عثروا ضمن تآليفه على بيتٍ من الشعر يُسيء إلى سلطان تونس الذي يصفه بالطاغية، وكان ذلك سببًا في نهايته، حيث أُعْدِم طعنًا سنة 1262م.

المعرفة الأندلسية.