العراقيون – الشركس: الأرض التي تعطيك الخير لا تجوز خيانتها
في تقاليدهم يقدسون ثلاثة اشياء: الأخلاق، القوة، الوطن.. فيقولون اذا فقد الإنسان أخلاقه فقد قوته وإن فقد قوته فقد وطنه. هكذا عاش الشركس والى يومنا هذا خلوقين، أقوياء، أوفياء للأرض التي يعيشون على خيراتها.
من جبال القوقاز
سكن الشركس قبل 10 آلاف عام شمال القوقاز، وفدوا الى العراق على مرحلتين، طوعاً من شمال وجنوب داغستان إلى العراق عبر أذربيجان وإيران وسكنوا شمال العراق، وقسراً في فترة الحرب بين الإمبراطوريتين العثمانية والروسية والتي اعقبتها عمليات تهجير قسرية لشعوب بلاد شمال القوقاز وبضمنها الهجرة الكبرى التي امتدت من العام 1859م ولغاية العام 1864م وسكنوا بصورة رئيسة في مدن وريف كركوك وديالى وبغداد والموصل والفلوجة.
اندمج الشركس سريعا بالمجتمع العراقي وعملوا في عدة حرف ومهن يجيدونها، وإن كان اغلبهم انضم الى السلك العسكري وبرعوا فيه ووصل كثير من الشراكسة الى مراتب عليا في الجيش العراقي فاصبحوا قادة فرق وفيالق.
اعتنق غالبية الشركس الإسلام قبل 300 عام وتأثروا به وبتعاليمه ووجدوه اقرب الى عاداتهم وتقاليدهم ومتماشيا مع دستورهم المكتوب (الاديغا خابزة) ومع العادات والتقاليد غير المكتوبة والتي توارثتها العائلات الشركسية أباً عن جد.
(ANT)
إن الاسم الحقيقي للأمة الشركسية كما يذكر المؤرخ الشركسي (شورابكيمرزانو غموقة) هو “آنت ANT”، بقي محفوظاً حتى الآن، والاسم هو لقبيلة عظيمة تعتبر أم القبائل الشركسية، وقد حُرّف هذا الاسم مع مرور الزمان فأصبح “أديكه أز أديجه” باستبدال التاء بالدال للتحقيق، وإضافة المقطع الأخير فيه أي “خه” إلى الاسم الأصلي.
بينما يقول المؤرخ حمود عبدالرحمن في كتابه (تاريخ القوقاز): “الأرجح ان الاسم قد يكون ناتجا عن تحريف لفظ (كركت Ketket) والذي كان قدماء الإغريق يطلقونها على أمتنا أو على أحد شعوبنا.”
واستكمالا لمشروع “مجلة الشبكة” بالتعريف بتنوع المجتمع العراقي كان لها هذا الحوار مع الدكتور العراقي – الشركسي احمد حسين كتاو، رئيس المنظمة الوطنية للتنوع، للتعرف اكثر عن الشراكسة في العراق حيث سألناه عن اصل الشراكسة فاجاب:
– اصل الشراكسة قديم جدا فهم الذين عاشوا في جبال القوقاز وخرج منهم الكاسيون والحوثيون والقوقازيون، ويعتبرون من اصل الأجناس وهم احد تصنيفات النظام العالمي للتصنيف وصفاتهم البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الملونة.
والرأي الأرجح والأصح في اصل الشركس انهم الشعب الكاسي واليوم جمهورياتهم الثماني ضمن الاتحاد الروسي وهي (قبردينا – بلقاريا عاصمتها نالجيك وجمهورية اديغا عاصمتها مايكوب وقرشايشركس وجمهورية شيشان وداغستان واوستيا وابخازيا)، ولهم لغاتهم وهي القبرطاي والابزاغ والبخاز والأوان وهي متقاربة من بعضها بحيث تمكنهم من التفاهم فيما بينهم.
اديغا خابزة
*مع تعدد البلدان التي تنتشرون فيها وبعدها عن الموطن الأصلي، كيف تحافظون على تقالديكم؟
– رغم الشتات فلقد حافظنا على تقالدينا وعاداتنا لأن لدينا دستورا مدنيا “اديغا خابزة” عمره اكثر من عشرة آلاف سنة وهو عبارة عن توصيات وعادات وتقاليد وأعراف شركسية مستمرة حتى يومنا هذا، وهذا الدستور قسم منه مكتوب والقسم الآخر تتوارثه العوائل جيلا عبر جيل، ولمواكبة العصر يجتمع حكماء الشراكسة لوضع قوانين او اصلاحات. تأثر الشراكسة بالإسلام كثيرا بعد دخولهم فيه قبل ما يقارب الـ 300 سنة فاصبحوا يتماشون مع التعاليم الإسلامية، ولكن مع التمسك بالقضايا الجوهرية الموجودة في “اديغا خابزة”، هم متمسكون بها، مثلا التعامل مع المرأة فهي لها شأن كبير عند الشراكسة بحيث اذا صادفتك امراة حتى وان كانت غريبة وهي تمشي على الطريق فينبغي ان تنزل من فرسك وتوصلها الى غايتها، او اذا حدثت حرب بين طرفين فاذا دخلت امراة بينهما فالحرب تقف نهائياً إكراماً لها.
كما لا يحق للشركسي، حسب تقاليدنا، ان يسأل ضيفه إلا بعد اكرامه ثلاثة ايام، وللكبير عمراً احترام خاص فلا يجوز ان تمشي أمام الكبير مهما كان منصبك وان وقف فيجب عليك ان تقف على يساره.
* كيف هي طقوس الزواج عند الشراكسة؟
– عندنا مثل يقول”بيت لا امرأة فيه كأرض لا نبات فيها”، فنحن نقدس الحياة الزوجية كثيرا ويستطيع الشاب الشركسي أن يتزوج من أية فتاة يحبها وتحبه وليست للأب والأم أية سلطة على إرادة الفتاة إذا أرادت الزواج من شاب أحبته، وكل سلطة الوالدين عليها هي النصح في حالة عدم الموافقة على الزواج. وفي حالات نادرة جداً لا يوافق الأب أو الأخ على زواج الفتاة من شاب تقدم لطلبها، وفي هذه الحالة تتسلل الفتاة مع الشاب الذي ينقلها إلى بيت أحد أصدقائه لإتمام مراسم الزواج وهو يعرف خطأً الخطف، في حين أن الواقع ليس خطفاً بالمعنى المعروف لهذه الكلمة فكلمة (كواسا) الشركسية ترجمت خطأ إلى كلمة خطف بالعربية أما معناها الصحيح فهو(التسلل بقبول) والقبول من الفتاة هو شرط أساسي في الشرع الإسلامي في حالة الزواج، والمهر عند الشراكسة محدود جدا إذ يكفي للرجل أن يقدم قطعة سلاح أو رأساً من الخيل أو ما شابه ذلك. اما زواج الأقارب فانه غير مستحب عند الشراكسة بل وحتى ان لم تكن من اقاربك انما مجرد كونها تحمل نسب عائلتك فلا يجوز الزواج منها، ويختارون زوجاتهم بعيداً عن ذوي القربى، وحتى في بعض القبائل لا يذكرون كلمة ابنة عم أو ابن عم بل يقولون أختي أو أخي وكأنهم أدركوا بطبيعة المحاربين ضرر هذا الزواج على صحة النسل وكذلك يعدون الجيران كالأقارب بسبب انتشار الرضاع بينهم.
وأضاف كتاو :
حالات الطلاق عند الشركس نادرة جداً، أما الخلافات بين الزوج والزوجة فلا تأخذ شكلاً جدياً يؤدي إلى الفراق، لا سيما إذا كان هنالك أطفال فالزوج والزوجة قد يختلفان ويتصادمان ولكن قلما يؤدي ذلك إلى فك العصمة الزوجية بينهما، أما تعدد الزوجات فيكاد يكون معدوماً إلا في حالات نادرة جداً لا سيما إذا كانت الزوجة عاقراً وفي هذه الحالة فإن الزوجة هي التي تخطب الزوجة الثانية لزوجها وبرضاها التام.
ندافع عن العراق
* انتم تندمجون سريعاً مع المجتمعات التي تعيشون فيها؟
– نعم، فنحن بطبيعتنا نحب الأرض التي نعيش عليها فلدينا مثل يقول “الأرض التي تعطيك الخيرلا يجوز خيانتها”، لذا ترانا دائما ندافع عن الوطن الذي نعيش فيه ونذود عن رايته ونطيع ولي الأمر فيه، وهذه سيرتنا على مر العصور.
* ما يزال معظم الشراكسة من الرجال والنساء يرتدون أزياءهم التراثية في المناسبات؟
– اكيد، الزي الشركسي مميز، فنحن نتمسك بالعادات والتقاليد بشكل كبير حتى يومنا هذا، ويعد الزي التقليدي جزءا أساسيا من الهوية الشركسية، والمصمم بما يتناسب مع ظروف معيشتنا وطبيعة بلادنا.
ويبرز لباس المرأة الشركسية جمالها ورشاقتها وأناقتها مع الحشمة، وهو عبارة عن ثوب طويل فضفاض، تتوسطه زخارف خفيفة في منطقة الصدر، مع قبعة طويلة يتدلى من أعلاها منديل شفاف ليغطي الرأس.
ويكون الرداء الخارجي مفتوحاً من الأمام وفيه ثلاثة أزرار ذهبية أو فضية عند الخاصرة، والأكمام ضيقة حتى المرفق ثم تبدأ بالتوسع والطول حتى ما تحت الركبة ومفتوحة من الطرفين من الأسفل ومغطاة بنقوش ذهبية أو فضية.
وأهم ما يتميز به الرداء هو الطول حتى يكاد يلامس الأرض، ويوجد تحته القميص الشتوي أو الصيفي الموشى بالنقوش الذهبية أو الفضية لأنها ستظهر من خلال الفتحة الخارجية للرداء، ثم الثوب الذي يلبس تحت القميص ويمكن أن يستعاض عنه بتنوره طويلة مزركشة.
وتضع المرأة الشركسية زناراً مصنوعاً من المعدن المغطى بنقوش ذهبية أو فضية جميلة، والحذاء حتماً يجب أن يكون صناعة يدوية محلية من الجلد بلا كعوب عالية.
وبالنسبة للرجال فيعد الخنجر الشركسي أو “القامة” بنصله الحاد الذي لا يحتوي على واق لليد عند مقبضه، والذي يعرف باسم الساشقوا، رفيق الزي الشركسي للرجل إضافة إلى القبعة الصوفية أو القلبق الشركسي الشهير، إضافة إلى الساكوا المعطف السميك للوقاية من البرد.
شعارنا السلام
* نرى في شعار الشركسي اثنتي عشرة نجمة وثلاثة اسهم، الى ماذا ترمز؟
– الذي ينظر الى شعار الشركس يجد فيه ثلاثة اسهم متقاطعة وترمز الى السلام الذي ننشده، فالأسهم المتقاطهة وغير الموجهة ترمز الى السلام وليس الحرب، اما الاثنتا عشرة نجمة فترمز الى عدد قبائل الشركس وهم: الأبزاخ، القبرطاي، الشابسوخ، البجدوخ، الأوبيخ، الإباضة، جكت، حتقواي، جمكواي، اما الذين يتواجدون في العراق فيوجد القبطاي والأبزاخ عدا الشيشان والداغستان.
* وضع الشراكسة في العراق
– ان السنين الطوال من حكم صدام في العراق اثرت تأثيراً قوياً على الشراكسة ووضعتهم في حالة من الرعب باعتبارهم اجانب والخوف من اتهامهم بالجاسوسية لروسيا، فاكثرية شراكسة العراق كانوا في السلك العسكري وبمراتب عالية من مدراء صنوف وقادة فيالق، اضطرهم ذلك الى عدم المطالبة بهويتهم الثقافية والقومية خوفا من بطش الدكتاتورية.
وعلى مدى خمس وثلاثين سنة انصهر الكثير من العوائل الشركسية مع قوميات اخرى حسب موقعهم الجغرافي منهم من اندمج مع العرب او التركمان او الاكراد. اما بعد 2003 فقد استطعنا ولاول مرة تأسيس جمعية التضامن القوقازي العراق لتضم كل عشائرنا من الشركس والشيشان والداغستان في سنة 2004 واستمرت الجمعية بنشاطها وعدد منتسبيها تجاوزالـ 500 عضو لحد فترة دخول داعش حيث تقلص عمل الجمعية واقتصر فقط على اصدار مجلة التضامن ولعدم وجود التمويل الكافي والدعم المادي قررنا تجميد الجمعية منذ 2017.
* هل ما يزال حلم العودة الى القوقاز موجوداً؟
– كما قلت سابقاً نحن نحب الارض التي نعيش عيلها ونأكل من خيراتها، فنحن شركس عراقيون في العراق ومصريون في مصر وهكذا في كل البلدان التي نتواجد فيها ولكن تبقى القوقاز منبعنا الذي تركناه قسرا.
* هل لديكم من يمثلكم في العراق؟
– يوجد لدينا ممثل عن الشيشان وممثل عن الداغستان وممثل عن الاديغا وكلنا في اتصال دائم مع بعضنا البعض فالذي يمثل الشركس هو د. احمد حسين كتاو اما الداغستان فيمثلهم الإعلامي محمد حسين الداغستاني والشيشان يمثلهم عبد العزيز نجيب بيك الجيجاني فهؤلاء بمثابة المجلس الشركسي في العراق.
ماذا تتمنى على الحكومة العراقية؟
– اتمنى على الحكومة العراقية الالتفات الى شراكسة العراق وثقافتهم وانصافهم حتى لا تضيع هويتهم نهائيا من العراق الذي يعيشون فيه منذ مدة تجاوزت الـ 150 سنة.