أهم عوامل انهيار الأمم .. تاريخ الصراعات القبلية والعرقية في الأندلس

كان الجيش الذي اضطلع بالفتح الأول مع طارق بن زياد مؤلفًا في غالبيته من البربر، وكان لهؤلاء تنظيم قبلي يتوزعون فيه على قسمين كبيرين: (البتر) وهم البربر البدو، و(البرانس) وهم بربر الحضر.. وكان بين الاثنين من التنافس كما كان بين العرب (العدنانية) وهم عرب من الشمال، و(اليمنية) وهم عرب من الجنوب.

ثم دخل الأندلس مع موسى بن نصير جيش كان في هذه المرة ذا أغلبية عربية؛ إذ كان فيه نحو اثني عشر ألفًا من العرب، وهذه هي التي تُسمَّى "طالعة موسى"، وكان مع هؤلاء مجموعة كبيرة من الموالي الذين ارتبطوا بحكم هذا "الولاء" بالقبائل العربية.

وفي سنة 716م قدم الحر بن عبد الرحمن الثقفي من إفريقية ومعه أربعمائة من وجوه أهل إفريقية، وكان هؤلاء نخبة من زعماء العرب، وتسمى هذه المجموعة "طالعة الحر".

وكان يطلق على عرب هاتين الطالعتين الذين كانوا أول العرب استقرارًا في الأندلس اسم "العرب البلديين"، ثم قدم بعد ذلك مع بلج بن بشر القشيري عدد آخر من العرب يبلغون نحو عشرة آلاف وذلك في يناير 741م، وهذه التي تسمى "طالعة بلج".

ولما كان هؤلاء من الكور المجندة بالشام فقد أطلق عليهم اسم "الشاميين"، وسرعان من نشب النزاع بين البلديين أي عرب الطالعتين الأوليين والشاميين، ورأى أبو الخطار الكلبي حسمًا لهذا النزاع، أن يفرق العرب الشاميين على كور الأندلس.

ولكن النزاع ظل يتجدد بعد ذلك بين وقت وآخر، وبلغ هذا النزاع ذروته أيام عبد الملك بن قطن الفهري، وقد انتهى هذا الصراع بمقتل ابن قطن وولاية بلج زعيم الشاميين على الأندلس.

كذلك نشب صراع آخر بين قبيلتي العرب الكبيرتين: القيسية واليمنية، وكان هذا الصراع امتدادًا لما كان يحدث في المشرق، وكان خلفاء بني أمية أنفسهم يؤرثون هذا النزاع، فكانوا يقربون هذا الفريق تارة وذاك الفريق تارة أخرى، معتقدين أن ذلك يضمن لهم السيطرة على الجانبين كليهما، وإن أثبتت الأحداث أن هذه السياسة كانت في النهاية من عوامل انهيار الدولة كلها.

وكان اليمنية في الأندلس أكثر عددًا من القيسية، ولكن هؤلاء كانوا عناصر تتميز بالقدرة والشجاعة والتماسك.

ولذلك فقد رجحت كفتهم ولا سيَّما خلال السنوات الأخيرة من عصر الولاة منذ ولي حكم الأندلس يوسف الفهري (747م).

وكـأن هذه المنازعات لم تكن كافية؛ إذ أضيف إليها النزاع بين العرب والبربر، وقد زعم بعض المؤرخين أن السبب في ذلك استئثار العرب بأفضل أراضي الأندلس وأخصبها، بينما تركوا للبربر المناطق الجبلية القاحلة.. غير أنه ثبت أن ذلك غير صحيح؛ وإنما نزل الفاتحون في المناطق التي استطابوا المقام فيها، وقد تكون كثرة إقامة البربر في المناطق الجبلية راجعة إلى تعودهم على سُكنى مثل هذه المناطق في مواطنهم الأصلية في شمال إفريقيا.

المصدر:

محمود علي مكي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، تنسيق سلمى الخضراء الجيوسي، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، بيروت، 1999م.