يميز عبدالقاهر الجرجاني بين نوعين من الأفعال المتعدية، نوع يكون مفعوله مستقلًا عنه، فالفعل يُحدث بالشيء حين يُفعل، ونوع يكون مفعوله موضوع الفعل نفسه، قال "فالمتعدّي على ضربين: ضربٌ يتعدَّى إلى شيءٍ هو مفعول به، كقولك: ضربتُ زيدًا، (زيدًا) مفعولٌ به؛ لأنك فعلت به الضرب ولم يفعله بنفسه. وضربٌ يتعدَّى إلى شيءٍ هو مفعول على الإطلاق، وهو في الحقيقة كـ(فَعَلَ) وكلِّ ما كان مِثْلَه في كونه عامًّا غيرَ مشتقّ من معنًى خاصّ كصَنَعَ، وعَمِلَ، وأَوْجَدَ، وأَنْشَأَ"(1)، ويفسر العموم المختلف عن الخصوص بـ"أنه ليس كضَرَبَ الذي هو مشتقّ من الضرب أو أَعلَمَ الذي هو مأخوذ من العلم"(2) فهذه [ضرب، أعلم] تتعدى إلى مفعولات مستقلة عن الفعل، وهي المضروب بها والمعلوم بها، فالأفعال تُفعل بها، وأما العامة فهي "كل ما له مصدرٌ، ذلك المصدرُ في حُكم جنس من المعاني، فهذا الضَّربُ [النوع] إذا أُسند إلى شيءٍ كان المنصوبُ له مفعولًا لذلك الشيء على الإطلاق، كقولك: فعل زيدٌ القيامَ، فالقيام مفعولٌ في نفسه وليس بمفعول به"(3) فهو ليس بمستقل عن الفعل بل هو موضوع الفعل، فكأنك بقولك: فعل زيد القيام تقول: انجز زيد القيام.
ويضرب الجرجاني أمثلة للمفعولات المطلقة غير المقيدة بقوله "وأحقُّ من ذلك أن تقول خَلق اللَّه الأنَاسِيَّ، وأنشأ العالم، وخلق الموتَ والحياة"(4)، ويفسر الإطلاق بقوله "والمنصوب في هذا كله مفعول مطلق لا تقييد فيه، إذ من المحال أن يكون معنى (خلق العالم) فَعَلَ الخلق به، كما تقول في (ضربت زيدًا) فعلتُ الضرب بزيد، لأن الخَلْق من (خَلَقَ) كالفعل من (فَعَلَ)"(5)، فالفرق بين النوعين أن زيدًا ليس مفعولًا في الحقيقة بل مفعولٌ به الفعل، فالمفعول هو الضرب وزيد محل الضرب، وأما مفعولات الخلق فهي موضوع الخلق، فهي المخلوقة، وليست أشياء مستقلة موجودة يوضع بها الخلق، قال الجرجاني "فلو جاز أن يكون المخلوق كالمضروب، لجاز أن يكون المفعول في نفسه كذلك، حتى يكون معنى فَعَلَ القيام فعل شيئًا بالقيام، وذلك من شنيع الـمُحال"(6). ومثال هذه الأفعال (صنعتُ قهوة)، و(كتبت رسالة)، و(بنيت بيتًا)، فالقهوة لم تفعل بها الصناعة، والرسالة لم تفعل بها الكتابة، والبيت لم يفعل به البناء، بخلاف (أكلت تفاحة) فالتفاحة فُعل بها الأكل.
وعبدالقاهر لا يعنى بهذا المفعول المطلق ما يعنيه النحويون بهذا المصطلح أي المصدر الموافق لفعله من نحو (ضربًا) في قولك (ضربتُ ضربًا) الذي يؤتى به لتأكيد الفعل، أو لبيان نوعه إن قيد بالإضافة (ضربتُ ضربَ المؤدِب) أو بالنعت (ضربتُ ضربًا مؤلمـًا) أو لبيان عدد الفعل (ضربتُ ضربتين)، وما يعني أن المفعول به نوعان نوع خاص مقيد وهو ما يقع الفعل به كزيد الذي يقع به الضرب فهو مفعول به الضرب، ونوع عام مطلق لأنه هو المفعول حقيقة وليس مجرد مفعول به، مثل (الأناسي) في (خلق الله الأناسي) فهي مخلوقة حقيقة، وأما زيد في (ضربت زيدًا) فليس بمفعول أي ليس بمضروب حقيقة بل مضروب به، فالمضروب هو الضرب كما تقول ضربت ضربًا فالمفعول أي المضروب هو الضرب.
ولعلنا إن أردنا التمييز بين ثلاثة الأشياء الماضية نقول: إن لدينا مفعولًا، ومفعولًا مطلقًا، ومفعولًا به، ومثال المفعول: خلق الله الأناسيّ، والمفعول المطلق: خلق الله خلقًا، والمفعول به: ضربتُ زيدًا. ولذلك يمكن الجمع بين المفعول والمفعول المطلق في قولنا: خلق الله الأناسيّ خلقًا.