" أنا هنرى أوف لانكاستر أطالب بملك إنجلترا و بتاجه، وبكل حقوقه و أمتيازته، أصلاً و فرعاً، بصفتى سليلاً بحق الدم للعاهل الصالح الملك هنرى الثالث، و يعين من أبناء أسرتى و أصدقائى الذين ساعدونى على تخليص الملك الذى كان مشرفاً على البوار، بسبب تهاون الحكومة و تعطيل القوانين الصالحة ".
تلك هى الكلمات التى فاه بها هنرى أوف لانكاستر، كما هى مدونة فى السجلات البرلمانية. و على أثرها أخذ بيده رئيس أساقفة كنتربيرى إلى عرش إنجلترا الخالى، حيث جره تنصيبه وسط حماسة الحاضرين، بأسم هنرى الرابع.
ولسوء حظه أن سلفه ريتشارد الثانى كان ما يزال على قيد الحياة، فأعتبر هنرى الرابع مغتصباً للعرش. وقد تسلم الحكم بقوة السلاح، عندما عاد من المنفى متحدياً الملك عام 1399. وقد طالب بأسترداد ميراثه، وهو دوقية لانكاستر التى صادرها الملك، ثم حمل راية التمرد و الثورة. أما أكابر رجال المملكة فكانوا مغضبين لما كان عليه حكم ريتشارد من طغيان و أستبداد، ولذلك وقفوا إلى جانب هنرى.
لم تلبث متاعب هنرى أن بدأت، فقد دبرت فى كانون الثانى ( يناير ) عام 1400 مؤامرة ضده، على يد أنصار ريتشارد، و أحبطت المؤامرة، ولقى ريتشار مصرعه فى الشهر التالى.
يبدو أن الخطر راح يهدده من مصادر أخرى، فإن فرنسا التى كانت ما تزال تخوض حرب المائة عام ضد إنجلترا، عملت على نشر شائعة مفادها أن ريتشارد لم يمت، وهو مختبئ فى أسكتلندا حليفة فرنسا. و أقتربت الشائعة بفشل حملة وجهها هنرى سنة 1400 ضد الكوتلنديين. وفى سنة 1402 غزا الأسكتنلديون إنجلترا، ولكنهم منوا بهزيمة نكراء فى موقعة " هوملدون هيل " على أيدى أسرة " بيرسى "، و هى أسرة الشمال الكبيرة، تحت قيادة إيرل أوف نورثمبرلند الذى عزز أنتصاره مكانته بصورة خطيرة.
وبعدما أصبح خطر أسكوتلندا غير ذى بال، برز خطر آخر من ناحية " ويلز "، ففى 1400 أثار هنرى عداوة " اوين غلندوير " الذى كان سيداً وافر الأقتدار من إقليم " ويلز "، وما لبث أن غدا زعيماً للثورة العامة فى الإقليم. وراحت الحصون و القلاع الإنجليزية تتساقط فى أيدى أبناء ويلز، كما فشلت ثلاث حملات قادها هنرى ضد " غلندوير ". ثم وجد أبناء " ويلز " حلفاء لهم، فأن آل بيرسى الذين زادت أطماعهم، تحالفوا مع الأسكتلنديين وزحفوا للأنضمام إلى " غلندوير". ولكن هنرى تبرى لصدهم، و هزمهم فى موقعة " شروزبرى "، و هى الواقعة التى لقى حتفه فيها " هوتسبير ".
بحلول عام 1408 أبتعد الخطر و أصبح الأمن أمثر أنسيابياً. ولم يعد آل بيرسى مبعث خطر و تهديد من ناحية الشمال، كما لم يعد بوسع فرنسا التى مزقها النزاع الحزبى و الحرب الأهلية تقديم مساعدات جديدة إلى " غليندور ". ثم أن ابن هنرى وولى عهده الخطير الملقب بأمير " ويلز " راح يسدى مهارة حربية فائقة و يحرز الانتصارات المتتالية فى المعارك ضد قائد أبناء " ويلز ".
و تجدر الإشارة إلى سنىن هنرى الاخيرة التى كانت تخلوا من الثورات و المؤامرات، كانت بالمقابل أضعف حقبة فى عهد حكمه. فإن كبار أقطاب المملكة أستطاعوا الهيمنة على المجالس. ثم نشبت النزاعات بين أمير ويلز و آل " بوفور " من ناحية و ابن الملك الثانى توماس و رئيس أساقفة " أروندل " من ناحية أخرى.
وكانت هذه النزاعات دلالة منذرة بما سوف تتمخض عنه الأحداث المقبلة للجيل الذى شهد حرب " الوردتين ". وكان ضعف هنرى فى العهد الأخير من حمه ناجماً عن أعتلال صحته أيضاً، فقد أصيب عام 1408 بداء البرص على الاأرجح، فى الوقت الذى بدأ فيه أن متاعبه قد آذنت بالزوال.
وفى عهد أواخر عهد هنرى تدخلت إنجلترا مرتين فى الحرب الأهلية الفرنسية. وفى أحداهما عمد أمير ويلز، بمحض إرادته، إلى إرسال قوة صغيرة لمساعدة
" الأرمانياك ". وكانت النتيجة أنتصاراً بارزاً أحرزته قوة الألف جندى إنجليزى فى موقعة " سانت كلاود ".
ثو جاء دور " الأرمانياك " فى طلب مؤازرة الإنجليز، وعرضوا مقابل المساعدة إقليم " أكيتانيا " بكامله على الإنجليز. فأرسل هنرى سنة 1412 حملة لمساعدة الأرمانياك، ولكنها منيت بفشل تام.
توفى هنرى الرابع عام 1413 عن 46 عاما. و إذا كان حكمه متصفاً بالأضطراب فإنه، مع ذلك، يماثل إلى حد كبير حكم مغتصب آخر هو هنرى السابع الذى كان بالمقابل ناجحاً فى حكمه. فكلاهما كان فى أوائل حكمه مغامراً عنيفاً، وكلاهما أيضاً أمكنه التغلب على كثير من العقبات الصعبة، من مؤامرات و غزوات، ومطالب، و دعاوى المتنافسين على العرش. و إذا كانت ذكراهما قد طمست فى الوهج الذى سطع حول ولديهما اللذين استأثا بإعجاب الناس، وهما هنرى الخامس و هنرى الثامن، فإن المؤكد أنه لولا المقدرة البارزة من جانب الوالدين لما تهيأ للولدين أن يتقلدا زمام الملك.