كان القرن الثالث الهجري عصر السيادة البحرية الإسلامية، وكان البحر الأبيض المتوسط من الثغور الإسلامية القوية، وكان المسلمون سادته، ويقبضون بحملاتهم على ناصية المياه الجنوبية والوسطى منه، ويبثون الرعب في شواطئه وثغوره النصرانية، وكانت المياه الإيطالية والبيزنطية بالأخص مقصد هذه الحملات، وفي هذا القرن ظهر أعظم بحار في ذلك العصر، بل وأعظم بحار مسلم على الإطلاق، وهو أمير البحر الذي عرف باسم ليو الطرابلسي، أو غلام ظرافة.
اسم ليو الطرابلسي ولقبه
هو أمير البحر أو القائد الذي أطلق عليه المؤرخّون المسلمون اسم غلام ظرافة، وعرّفته الرواية البيزنطية باسم ليو أو ليون الطرابلسي، وذلك نسبة إلى مدينة طرابلس الشام، وقيل في أحد المصادر: اسمه رشيق الوردامي، وليو اسم يوناني، وقد ورد معربًا في بعض المصادر العربية، فالمسعودي يسمّيه في كتابه مروج الذهب لاوي وكنيته أبو الحروب، وفي نسخة أخرى يسمّيه أبو الحارث، وفي التنبيه والإشراف يسمّيه لاو، وتارة لاوي، وعرّفه أيضًا بالظرافي مولى المقتدر بالله العباسي (295- 320ه)، وأما الذهبي فيسمّيه مرة لاوي الطرابلسي، ومرة لاوي الظرافي.
ليو الطرابلسي ونشأته وإسلامه
وُلد ليو من أبوين نصرانيين في سنة غير معروفة بمدينة أنطاليا[1]، التي تقع على الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى، وفي إحدى غارات المسلمين على هذا الساحل أخذوا ليو في جملة السَّبي وهو ما يزال في طفلًا صغيرًا، وحمله الغُزاة ونزلوا به ولاية طرابلس، فكان من نصيب أميرها زرافة الذي استخلصه لنفسه وربّاه واعتنى به، ولذا عُرِف في المصادر العربية بــــغلام ظرافة.
اعتنق الإسلام ليو وهو ما يزال في نعومة أظافره، وترعرع في طرابلس صادق الإيمان، ونشأ فوق متن السفن محبًا لركوب البحر، وتعلم فنون القتال في لجة البحر، وتلقى دروسه الحربية على أيدي بحّارة متمرسين مهرة حتى أصبح بحّارًا ماهرًا خبيرًا بشؤون البحر وأسفاره وحروبه وأنوائه وعواصفه وجزره وسواحله ورؤوسه وخلجانه وكلّ أحواله، وتَرقَّت به الأحوال إلى أن صار أميرًا للبحر ومن رؤسائه الذين يولون تدبير المراكب والحرب، ثم أصبح أميرًا على طرابلس نفسها.
ليو الطرابلسي وغزواته البحرية
وصُف ليو بالذكاء والنشاط والجُرأة، تولّى قيادة أسطول طرابلس، وجمع تحت لوائه أمهر وأشجع البحارة المسلمين، وقاد المراكب التي كانت تتجمع تحت إمرته من جميع الموانئ والثغور الإسلامية حتى أصبحت حملاته وغزواته البحرية تروع الدولة البيزنطية وترعبها، وكانت غزوته لمدينة سالونيكا اليونانية في سنة 291ه= 904م هي أعظم غزوة قام بها، ومن جهة أخرى كانت حملات ليو على الإمبراطورية البيزنطية وعلى مدينة أنطاليا التي ولد فيها هي في حد ذاتها أقوى دليل على حُسن إسلامه، حتى أنَّه وُصف من قبل بعض المستشرقين بالمرتد، فيما نعته أحد المؤرخين الأوروبيين بالطرابلسي اليوناني العاصي.
أسرة "ليو" في طرابلس
تزوج ليو بطرابلس وأنجب ذُرّيّة، وبقي أبناء أسرته تتردد أسماؤهم في المصادر العربية نحو قرنين من الزمان، فقد ذُكر اسم اثنين من أبنائه، فدُعي أحدهما وهو الأكبر محمد ويُكنَّى أبا عبد الله أو عبد الإله، والثاني يُدعى عبد الصمد، وكنيته أبو محمد، كما ذكرت المصادر العربية عدّة أسماء لأحفاده، وكان معظمهم من أهل الفضل والعلم والأدب، وأصحاب جاه وثروة، وقد توّلى أفراد أسرة ليو المناصب الرفيعة بطرابلس[2].
[1] أنطالية: هي الآن أتاليا أو أداليا في تركيا وتقع على ساحل البحر المتوسط والتي تقع على الخليج المعروف باسمها.
[2] محمد عبد الله عنان: مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام، ص93- 97، وعمر عبد السلام تدمري: لبنان منذ قيام الدولة العباسية وحتى سقوط الدولة الإخشيدية، ص81- 86.
قصة الإسلام