محلة باب الشيخ في بغداد
لطالما اشتهرت بغداد بأحيائها وشوارعها التاريخية العريقة، والتي كانت دائمًا تحظى بأهمية ومكانة بين مدن العراق بشكلٍ خاص والمدن العربية والإسلامية بشكلٍ عام، فمدينة بغداد أُسست لتكون دار الخلافة الإسلامية؛ حيث أختارها أبو جعفر المنصور في القرن الثاني الهجري والثامن الميلادي ليُثبت فيها أركان دولته، وتكون منها نقطة الانطلاق في توسيع حدود الدولة العباسية، وبقيت بغداد رغم ما توصلت له الدولة العباسية من فتوحات مقراً لخلافة المختار من بني عباس، وحتى بعد أن بعُدت الخلافة عن بغداد بقيت للجميع واحدة من أهم بقاع العالم الإسلامي وطرف هام في جميع الأحداث المثارة فيه، مما جعل من بغداد مسرحاً يفتح ستائره لكل زائر؛ ليُريه من فصول وعجائب تاريخ طويل شهدته وشهدت عليه، ولازالت أحيائها تعكسه لنا في كل خطوة وعلى كل جدار ومَعلم، فلا شارع ولا زُقاق ببغداد إلا وله حكايات يعود تاريخها لعشرات بل مئات العقود.
وفي الجنوب من شرق نهر الحياة وشريانها لبغداد كانت محلة باب الشيخ عالم بأكمله، تضم من جميع أجناس البشر بإختلاف اللغة والدين والعقيدة والعرق، ويعيشون بانسجام متجاورين في ترابط وتناغم لن يفهمه سواهم.
القصة التاريخية لمحلة باب الشيخ في بغداد
تقع محلة باب الشيخ في بغداد ، بقسم الرصافة وعلى الجانب الشرقي لضفاف نهر دجلة، وتأسست عام 157 هجريًا، أي بعد 14 عام تقريباً من بداية تأسيس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لبغداد المدورة، الواقعة على الجانب الغربي من النهر والتي تسمى الآن الكرخ، وبذلك أكتمل قسمي بغداد على ضفتي دجلة، و كانت الحياة أكثر نشاطًا بالرصافة حيث الأسواق الكثيرة والشخصيات الهامة التي سكنتها، رغم أنها أسست في الأصل لإبعاد ولي العهد المهدي وجيشه عن مقر الخلافة في الجهة الأخرى، ومن أبرز الشخصيات التي مرت على تاريخ الرصافة، الشيخ عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني وهو فقيه حنبلي عراقي المولد والمنشأ، و يعد من أقطاب الصوفية وتنسب إليه واحدة من أشهر طرقها حيث تسمى بالطريقة القادرية أو الجيلانية، وأنتقل عبد القادر إلى بغداد في عام 488 هجريًا بعمر الثمانية عشر عامًا، والتحق بمدرسة الشيخ أبو سعيد المخرمي، الواقعة في حارة باب الأزج، والتي تحولت فيما بعد إلى محلة باب الشيخ.
وكان باب الأزج قديماً أحد أبواب بغداد الشرقية، و يضم تحت اسمه محلة الشيخ إلى جانب محلة رأس الساقية وقسم من محلة المربعة، الاسم الذي تغير بعد أن ذاع صيت الجيلاني ونشر فكره وطريقته وأصبح له مريدين من بغداد وغيرها، فقد تحول الباب من الأزج إلى باب الشيخ والمحلة إلى محلة الشيخ حيث يوجد ضريحه، وتحولت الساحة القريبة منه إلى ساحة تحمل اسمه أيضًا، وما تحتويه من مسجد ومكتبة يطلق عليها أيضًا المكتبة القادرية.
أهم معالم محلة باب الشيخ في بغداد
تحتوي محلة باب الشيخ على مجموعة مميزة من المعالم التاريخية الدينية الهامة، ليس لأتباع الطريقة الصوفية فقط بل لكل محب للتاريخ ومتذوق للجمال المعماري الإسلامي، وتتمثل أهم هذه المعالم فيما يلي:
-ضريح الشيخ الكيلاني: فيه مقبرة الشيخ الجيلاني التي دفن بها العديد من أعلام الصوفية وأبرز الشخصيات السياسية بباب الشيخ وأفراد من عائلة الشيخ، ومن أبرز هذه الأسماء؛ السياسيين عبد المحسن السعدون ورشيد عالي الكيلاني، والشيخ عبد الكريم المدروس أو عبد الكريم بيارة.
-برج الساعة: هي ساعة فاخرة ذات وجهين، تدق كل ساعة وكل نصف ساعة. أُهدت من مسلمي الهند إلى الحضرة القادرية، وشيد لها برجاً يبلغ ارتفاعه 30 متراً اكتمل تشيده عام 1334 هجريًا/ 1915 ميلاديًا، وذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ولكن مع عوامل الزمن تعطلت الساعة بالبرج وتم تغييرها بأخرى وهي القائمة حتى الآن.
-مسجد الرواس: بالحديث عن معالم باب الشيخ لابد أن يُذكر المسجد الذي ظل صامدًا حتى عام 1954، والذي هُدم فيه بأمر من أمانة بغداد كواحد من أهم عوالم المحلة، منذ أن شُيد في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وكان فيه قبر الشيخ محمد الرواس الذي حمل المسجد اسمه. ولازالت محلة باب الشيخ حتى الآن تحتفظ بمكانتها الكبيرة بالعاصمة وبين جميع الأماكن التاريخية والدينية حول العالم، فلا ينقطع الزوار بالتوافد من كل مكان على الحضرة القادرية، كما تعتبر المحلة خاصة بالحضرة وقرب ضريح الجيلاني ملاذاً للفقراء والمحتاجين الذين يحصلون على المساعدة والعون من زوار الشيخ والقائمين على الحضرة والضريح.