تسجل معاناة العراقيين المتراكمة منذ ما يقرب من عشر سنوات حضورا في مختلف الفنون الأدبية والفنية ومن بينها أعمال الفنانيين التشكيليين، الذين غالبا ما يستخدمون الرمزية في التعبير عن موضوعاتهم، ويتفق عدد من الفنانين العراقيين على أن هموم ومعاناة العراقيين لابد من التعبير عنها في اللوحة، ويجب أن يكون للفنان دوره في الدعوة للسلام ونبذ العنف الذي يعصف بهذا البلد.
ويرى الفنانون كريم ديوان ورحيم السيد والدكاترة جواد الزيدي وطارق الجبوري وحسين علي هارف أن اللوحة إحدى أدوات التثقيف المجتمعي، وأنها لعبت دورا مؤثرا وفاعلا في التعبير عن معاناة العراقيين وطموحاتهم.
كما أن اللوحة لا تقف عند حدود إطلاق الصرخة المدوية تعبيرا عن رفض الفوضى والدعوة لوضع حد لمعاناة الناس اليومية، بل تتجاوزها إلى توثيق الصرخة وإدانة أدوات العبث والتخريب.
والمعرض التشكيلي المقام حاليا ببغداد أحد العناوين التي تبحث في إيجاد الحلول لمغادرة هذه المعاناة اليومية, ويُجمع الفنانون على أن الفن يمكن أن يؤدي فعلا عميقا ومؤثرا.
ويضم المعرض ثلاثين لوحة ويستمر سبعة أيام، وتناول أوضاع العراقيين بصورة عامة أثناء الاحتلال الأميركي وبعده، وتحاول لوحات المعرض إطلاق صرخات مدوية عن غياب الكهرباء وفقدان الأمن والفوضى العارمة التي تعصف بالعراقيين في مختلف ميادين الحياة.صرخة لوحة
ويقول الفنان رحيم السيد للجزيرة نت، إن اللوحة صرخة كبيرة حين تلامس المعناة اليومية للناس، ويشير إلى لوحاته المشاركة في المعرض قائلا "في كل بقعة أريد أن أتنفس معاناة العراقيين، هذه المعاناة التي تجاوزت حدود الصب، وضربت مختلف مناحي الحياة". ويضيف: قد يعيش الإنسان معاناته ومن معه، لكن محنة الفنان تكون أقسى عندما يكون مطلوبا منه أن يصور معاناة الجميع.
ويرسم السيد لوحاته بقلم الجاف، وهو لأول مرة يستخدم بالعراق، قائلا "أنفرد بالعراق برسم اللوحات بالقلم الجاف، وأستطيع التعامل مع القلم الجاف بشكل مميز من أجل أن أتجنب الأخطاء، وإن وقعت الأخطاء فأقوم بإدخالها في مواضيع أخرى إلا أن هذا نادراً ما يحدث". وأضاف "وأستطيع أن أخلط أكثر من لون بالقلم الجاف من أجل إخراج لون معين".
وتناول الفنان كريم ديوان أوضاع العراقيين بصورة عامة من معاناة عيشهم وكذلك معاناة المرأة العراقية، ومشاكل الشباب، ويقول "في بعض لوحاتي أظهر الجوانب السلبية وطريقة حلولها، فمنها أن تقع في مشكلة معينة وأنت غير جاد في حلها، أو تفشل في أمر ما وتبدأ بمراقبة الناس، فيكون جميع الحلول داخل اللوحة، إضافة الى بعض اللوحات التي تتحدث عن تخليد النفس والإصرار والعزيمة".
ويوضح بأنه إستطاع تحويل الأغاني والأمثلة الشعبية والأبيات الشعرية إلى لوحات وخصوصا بعض الأبيات للشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، إضافة إلى الأمنيات في داخل نفس المواطن العراقي، والعمل على الحب والسلام.دعم الحكومة
ويضيف ديوان أنه ينتمي إلى المدرسة السريالية من خلال الأفكار التي يطرحها في اللوحة، ويقول "أبدأ برسم لوحاتي بعد الساعة الحادية عشرة إلى الفجر خصوصا أن لوحاتي تستغرق أياما تصل إلى عشرين يوماً حسب الفكرة التي تتناولها، فتحتوي اللوحة الواحدة على عدة مواضيع".
ويشكو ديوان من حاجة الفنان التشكيلي إلى الدعم من قبل الحكومة العراقية، ويشير إلى أن اهتمام وزارة الثقافة مؤخرا بالثقافة جاء بسبب مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية.
ويقول الناقد التشكيلي محمد ناجي للجزيرة نت إن أهمية هذا المعرض تتأتى من الموضوعات التي تطرحها لوحاته، وملامسة المعاناة اليومية في لوحة أو معرض تكتسب أهمية استثنائية، فهي تطلق صرخة وتوثق أحداثا خطيرة وترسم يوميات شعب يعاني الكثير ويطمح إلى العيش بسلام بعيدا عن العنف والفوضى والخوف.
ويضيف ناجي هذه اللوحات تجسد الواقع العراقي بأسلوب جميل ومميز من خلال عناصر المجتمع العراقي، فتجد فيها الحيف الذي وقع على المرأة العراقية ومعاناة الطفل، كما تجد في قسم منها الأمل والمحبة.
ومن جانبه يقول الفنان التشكيلي خالد مبارك إن لوحات المعرض تعتمد الجانب التعبيري والسريالي وهي سجل حافل بالذكريات تتعلق بمعاناة الإنسان العراقي، ومعاناته كفنان نفسه.ويضيف: تجسد لوحات المعرض واقع العراق بعد الاحتلال الأميركي بشكل لافت للنظر، واللوحات عبارة عن بوسترات سياسية تنتقد الأوضاع التي يعيشها الشعب العراقي، وعسى أن تكون صرخة الفنانين التشكيليين نافذة لبدء أيام السلام بدلا من الفوضى والخوف وغياب الخدمات.