قد تجدُ الشخصَ الواحدَ يتلبَّسُ طَوْراً بضمير الغَيْبَة وطَوراً بضمير التكلُّم وطوراً بضمير المُخاطَب: كأنْ يتكلَّمَ المُتحدِّثُ عن نفسه ويُخاطَبَ غيرَه. ولَقَد اختلَفَت جهاتُ الضَّمائرِ لاختلاف المواقف والمواقع، في الكلام، ففي كل تَخطيط لموقف جديد يُبْنَى مَشهَدٌ جديدٌ بعد تَفكيك عناصر القَديم وإعادة تَركيبها. فلا تُفهم شبكة الإحالات الضميرية إلا بالعلم بالمَواقف والخُطط التي تُعيدُ تَوزيعَ العَناصر، ولكل مشهد عناصرُه المُركِّبَةُ، من الكَلِمِ والضَّمائر.

أنموذَجٌ :

« وراوَدَتْهُ التي هو في بَيْتها عن نَفسِه وغلَّقَت الأبوابَ وقالَتْ هيتَ لكَ » [يوسف/23]

الضّمائر: الهاء في “راودته” وها في “بيتها” والكاف في “لك”، والضمائر المستترة في غلقت وقالت… تُحيل على مذكور سابق “امرأة العَزيز” ونُسبَت إلى العَزيز ولم تُسمَّ باسمها. والضمير المنفصل “هو” يُحيل على يوسف، ولم يُذكَر بالاسم.

المراوَدَة مُفاعلةٌ تدل على المُعاوَدَة ولا تدل على مشارَكَة؛ لأن المراوِدَ امرأةُ العزيز وحدَها، وفي المراوَدَة تكثير للفعل أو تَكريره كلما أخفَقَت. والإخفاقُ بسبب أن المراوَدَةَ تُقابَلُ بالمُمانَعَة. وفاعل المراوَدَة اسمُ الموصول، أسند الفعلُ إلى اسم الموصول للَفت الانتباه إلى سلطة المُراوِد وتمكُّنه وإلى عفّة يوسف وعصمته.

“عن” حرفُ جر يدل على المُجاوَزَة والانصراف، والمعنى أنها تصرفُه عن نفسه وتُبعدُه عنها لتُخلصَه لَها. وفي المُجاوَزَة كنايَةٌ عَن الغَرَض من المراودَة، والكافُ في “لَكَ” لبيان المقصود من الخطاب وإخلاص اسم فعل الأمر للمُخاطَب دون غيره، واللامُ للاختصاص في الشبَكة الضميرية

« فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» [يوسف/88]

تعددت أنماط الضمائر: الغَيْبَة (دخلوا قالوا يجزي) – الذّات المتكلمة (مسَّنا – أهلنا – جئنا – لنا علينا) – المُخاطَب (يا أيها العزيز أوْفِ تصدقْ) . قد تجدُ الشخصَ الواحدَ يتلبَّسُ طَوْراً بضمير الغَيْبَة وطَوراً بضمير التكلُّم وطوراً بضمير المُخاطَب: فالذي دَخَلَ هو الذي تكلم عن نفسه وخاطَبَ غيرَه. ولَقَد اختلَفَت جهاتُ الضَّمائرِ لاختلاف المواقف والمواقع، ففي كل تَخطيط لموقف جديد يُبْنَى مَشهَدٌ جديدٌ بعد تَفكيك عناصر القَديم وإعادة تَركيبها. فلا تُفهم شبكة الإحالات الضميرية إلا بالعلم بالمَواقف والخُطط التي تُعيدُ تَوزيعَ العَناصر، ولكل مشهد عناصرُه المُركِّبَةُ، من الكَلِمِ والضَّمائر