استخرج الباحثون البكتيريا المكتشفة من عمق ألفي متر تحت سطح البحر (معهد ماكس بلانك)
الصغير محمد الغربي
اكتشف باحثون من معهد ماكس بلانك في ألمانيا نوعا جديدا من الميكروبات يعيش في الفتحات الساخنة بأعماق البحار، ويتغذى على غاز الإيثان ثاني أكثر مكونات الغاز الطبيعي شيوعا.
وهذه الآلية التي تكسر بها البكتيريا الإيثان يمكن عكسها -وفق هؤلاء الباحثين- مما قد يسمح في المستقبل باستخدامها لإنتاج هذا الغاز كمصدر للطاقة والحد من انبعاثات الكربون من مصادر التلوث المختلفة. نشرت الدراسة مجلة "إم بيو" العلمية في 21 من أبريل/ نيسان الحالي.
"كونسورتيوم"
اكتشف فريق البحث بقيادة غونتر فيغنر من معهد ماكس بلانك للأحياء البحرية الدقيقة -بالتعاون مع باحثين من معاهد أخرى- الميكروب غير المعروف سابقا في قاع بحر حوض غوايماس على عمق ألفي متر تحت السطح بخليج كاليفورنيا.
يقول فيغنر "حوض غوايماس هو مختبر طبيعي يعج بالأنواع الجديدة. المسؤول عن هذا التنوع الاستثنائي هو السوائل الساخنة التي تتدفق من قاع البحر، والتي تجذب العديد من الأنواع المختلفة".
وعلى عكس الحيوانات التي تهضم البروتينات والكربوهيدرات والدهون فقط، تتغذى الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا، أيضا، على مجموعة متنوعة من المركبات العضوية الأخرى بما في ذلك الغاز الطبيعي.
اعلان
من المعروف أيضا أن الميكروبات تقوم بتحويل مجموعة متنوعة من المركبات العضوية إلى طاقة، وأن الكثير منها يلتهم مصدر غذائه المفضل بشكل منفرد دون مساعدة. لكن بعضها ينتظم في شكل اتحاد تعاوني أو "كونسورتيوم" لتناول وجباته الغذائية.
لكن هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء أنواعا تعيش على التهام المكونين الرئيسيين للغاز الطبيعي (الميثان والإيثان) في عملية تتطلب التعاون بين نوعين مختلفين من الميكروبات، هما البكتيريا وكائنات وحيدة الخلية تسمى أيضا البكتيريا القديمة أو العتائق.نوع جديد من البكتيريا
السوائل الساخنة التي تتدفق في حوض غوايماس تشكل مختبرا طبيعيا يعج بالأنواع الجديدة (ويكيميديا كومونز)
تتميز أنواع البكتيريا التي تحتاج إلى التعاون مع أنواع أخرى لتحويل الغذاء ببطء شديد في التكاثر، وقد تتطلب عملية انقسام واحدة بضعة أشهر. لذلك، فإن دراستها في المختبر صعبة كما يقول العلماء.
لكن العلماء فوجئوا بهذه الدراسة الجديدة عندما وجدوا أن الميكروبات -التي تستهلك الإيثان والموجودة في قاع حوض غوايماس- تنمو بسرعة حيث تتضاعف الخلايا كل أسبوع.
يقول الباحث سيدريك هان من معهد ماكس "بهذه الطريقة أصبح لدينا الآن ما يكفي من الكتلة الحيوية لإجراء تحليلات واسعة النطاق، مما يمكننا من تحديد المركبات الوسيطة الرئيسية في تحلل الإيثان".
أطلق الباحثون على أنواع البكتيريا القديمة المكتشفة -والتي لم تكن معروفة سابقا لدى العلماء- اسم إيثانوبيريدينس ثيرموفيلوم Ethanoperedens thermophilum الذي يعني "آكل الإيثان المحب للحرارة".
اعلان
كما قاموا بنشر تسلسلها الجيني لفهم وظيفتها، وكيفية تأقلمها مع بيئة عيشها حول المصادر الساخنة لتسرب الإيثان في أعماق البحار.
اكتشف الباحثون أيضا أن تحلل الإيثان الذي تنتجه هذه الميكروبات قابل للانعكاس، فبعض أقارب البكتيريا المكتشفة حديثا يقوم بالتهام غاز ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الإيثان. وهي عملية مثيرة للاهتمام في تطبيقات التكنولوجيا الحيوية.
تطبيقات ممكنة
يقول لازو بيريز المشارك بالدراسة "نعمل حاليا على فهم كيفية عمل هذه البكتيريا بكفاءة عالية. فإذا فهمنا حيلها، يمكننا إكثارها في المختبر واستخدامها للحصول على الموارد التي تستخرج حاليا من الغاز الطبيعي".
ويقول مؤلفو الدراسة إن الميكروبات المكتشفة يمكن أن تكون مهمة لدورة الكربون العالمية، وفي الحد من زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بطريقتين.
فمن ناحية، تقوم هذه الكائنات باستهلاك الإيثان في أعماق البحار وبالتالي منعه من الوصول إلى الغلاف الجوي. ومن جهة أخرى، يمكنها أن تلهم الباحثين لتطوير حل صناعي للحد من انبعاثات الكربون من مصادر التلوث المختلفة.
"هذا الطريق لا يزال طويلا لكننا نتابع بحثنا" كما يقول فيغنر الذي يضيف "شيء واحد نعلمه على وجه اليقين: لا ينبغي لنا أن نقلل من شأن أصغر سكان البحر".