ليست الألفاظ سواء في دلالتها على الذكر والأنثى، ومن أوضح ما قرأته في ذلك ما أرده أ.د. فهد الرومي عن "صيغة الجمع المذكر التي تفيد العموم أتشمل النساء أم لا؟"، وأجاب بما أوجزه في أن ما يدل على الجمع من ذكور وإناث فهو شامل الإناث. ومثله اللفظ الذي لا يتبين فيه التذكير والتأنيث؛ مثل أسماء الشرط؛ كقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[7-الزلزلة]. وإما إن كان اللفظ خاصًّا بالذكور مثل (الرجال)، فلا يشمل النساء. وكذلك إن كان اللفظ خاصًّا بالإناث مثل (النساء) و(البنات) فلا يشمل الرجال. وأما اللفظ الذي ظهرت فيه علامة التذكير مثل (المؤمنون، الصابرون، المسلمون) أو ضمير الجمع المذكر مثل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}[31-الأعراف] ففيه خلاف، فقيل يشمل النساء، لأنه متى اجتمع المذكر والمؤنث غلب التذكير؛ ولذلك لو قال لمن بحضرته من الرجال والنساء: قوموا واقعدوا تناول جميعهم، نحو قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا}[38-البقرة]، وكان ذلك خطابًا لآدم وحواء وإبليس، فلو كانت النساء لا يدخلن لقيل لآدم وإبليس: اهبطا، ولحواء: اهبطي، وأكثر خطاب الله تعالى في القرآن بلفظ التذكير، مثل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[43-البقرة]، و{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[36-النساء]، والنساء يدخلن في جملته. وقيل: لا يشمل النساء؛ لأنه ذكر (المسلمات) بلفظ متميز، فما يذكر بلفظ (المسلمين) لا يدخلن فيه إلا بدليل(1).
ويقفنا الأصبهاني عند الجمع (القانتين)، قال "ويُسأل عن قوله (مِنَ الْقَانِتِينَ)، كيف قال: من القانتين، ولم يقل من القانتات؟ والجواب: أنّ القنوت يقع من المذكر والمؤنث، وإذا اجتمعا غلب المذكر على المؤنث، فكأنه في التقدير: كانت من العباد القانتين، فعمَّ في القانتين، ولأنها كانت في قنوتها وخدمتها لبيت المقدس مقام رجل أو رجال"(2).
ومثلها (حافظون) في "قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ}[5-المؤمنون] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاء؛ِ لِأَنَّ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ إذَا اجْتَمَعَا غلب المذكر كقوله {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ}[1/2-المؤمنون] قد أريد به الرجال والنساء"(3).
ونجد كلمة جامعة لمناع القطان، قال "ومتى اجتمع المذكر والمؤنث غلب التذكير. وأكثر خطاب الله تعالى في القرآن بلفظ التذكير، والنساء يدخلن في جملته. وقد يأتي ذكرهن بلفظ مفرد تبيينًا وإيضاحًا. وهذا لا يمنع دخولهن في اللفظ العام الصالح لهن، كما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}[124-النساء]"(4).
ومن أعجب ما جاء اشتمال لفظ جمع الإناث للذكور، قال النحاس عند قوله تعالى "{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}[23- النور]، من أحسن ما قيل في هذا أنه عام لجميع الناس القذَفة من ذكر وأنثى، والتقدير: الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكّر والمؤنّث. وكذا: في الذين يرمون، إلّا أنه غلّب المذكّر على المؤنّث"(5).
وأما لفظ (البنون) وهو ملحق بجمع المذكر السالم فقد يجيء مفردًا، وقد يجيء مقترنًا بلفظ (البنات)، ومن مجيئه مقترنًا بلفظ البنات قوله تعالى {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور: 39]، ومجيئه مقترنًا يمحضه للدلالة على الذكور. وأما مجيئه مفردًا فنحو قوله تعالى {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا}[46-الكهف]. وقوله{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ}[55-المؤمنون] فقد يشمل الذكور والإناث، ولا غرابة في ذلك وقد رأينا في نص النحاس السابق أن (المحصنات) شامل للناس من ذكر وأنثى، ولعل مما يستأنس به قول إسماعيل حقي عند تفسيره {يا بني إسرائيل}[40-البقرة] "البنون اسم للذكور والإناث إذا اجتمعوا"(6).
والذي ننتهي إليه أن (البنون) يمكن أن يدل على الذكور والإناث من الولد ما لم تدفع ذلك قرينة تخلصه للدلالة على الذكور.