جاء في الخبر أن كان هناك شابا فيه تقوى الله ولكنه أيضا كان به غفلة، وقد طلب العلم على أيدي أحد مشايخ الدين العظماء، وباليوم الذي أتم فيه الشيخ له ولقرنائه العلم طلب من كل واحد منهم أن لا يكون عالة على غيره وأن يعمل بصنعة والده ويتقي الله فيها حق تقاته؛ فكل واحد منهم رجع إلى منزله وعمل بمهنة والده إلا الشاب فقد كان والده متوفى، وبالرغم من شدة إصراره على معرفة مهنة أبيه حتى يعمل بها إلا أن والدته لم ترد أن تخبره ونظرا لشدة إصراره على معرفته أخبرته أخيرا بأن والده كان لصا، فعمد إلى تعلم مهنة والده وأتقنها ليعمل بها كما أخبره شيخه.
وانتظر حلول الليل والناس نيام بعدما جهز وأعد كل عدة السرقة وصلى العشاء وعزم على امتهان مهنة والده، وبدأ بدار جاره ولكنه تذكر تقوى الله وأن نبينا أوصانا بالجار، وأن سرقته تعتبر إيذاء نهانا عنه رسول الله، فانتقل إلى دار أخرى ولكنه تذكر أن بها أيتام والله حذرنا من عقوبة أكل مال الأيتام، وما زال الشاب يبحث حتى هدته قدماه إلى دار رجل فاحش الثراء خالي من أي حراسة، كل من بالبلدة يعلم مدى ثراء ذلك الرجل وكثرة أمواله الفائضة عن حاجاته، فقال في نفسه: “هذا هو المراد بعينه”، فدخل على طريقة اللصوص المحترفين التي أتقنها، ومن ثم جال بكل غرف المنزل الواسع والتي تعددت حتى استطاع الوصول إلى الغرفة التي كان بها صندوقا ممتلئا بالأموال وبالذهب والفضة، فهم الشاب بأخذ كل تلك الأموال والذهب والفضة ولكنه تذكر تقوى الله فقال في نفسه: “محتمل أن يكون ذلك الرجل لم يخرج زكاته من كل هذه الأموال بعد، لنحسب أولا مقدار الزكاة المستحقة من هذه الأموال ونخرجها ومن ثم نأخذ البقية منها”.
فأخرج كل الدفاتر التي وجدها وأشعل فانوسا صغيرا كان قد جلبه معه، وأخذ يجرد كل الحسابات حتى يتمكن من حساب قيمة الزكاة، وطالت المدة واستغرق ساعات طوال لجرد كل تلك الدفاتر التي وجدها على الرغم من براعة الشاب بالحساب وإتقانه لجميع العمليات الحسابية ومعرفته كل التشريعات الإسلامية بالزكاة ومقدارها، وها قد حان موعد صلاة الفجر فتذكر حينها تقوى الله في الصلاة على وقتها، فهم بالوضوء لإقامة الصلاة على وقتها كما أمر رب العباد وبعدها يعود لمواصلة ما كان يفعله.
فخرج من الغرفة وترك خلفه الفانوس مضيئا والصندوق المملوء مفتوحا، وما زال يتجول في الدار حتى وجد مكانا به ماء فتوضأ وقبل أن يشرع في الصلاة شعر به صاحب الدار الرجل التاجر الثري، لقد جذب انتباهه حركة غريبة بداره مما جعله يبحث عن سبب تلك الحركة المريبة، وكانت كل شكوكه في محلها إذ وجد رجلا غريبا بمنزله يقبل على الصلاة، وكان قبل ذلك قد وجد صندوقه مفتوحا وبجواره كل دفاتره مفتوحة وموضوع أعلاها الريشة وبجوارها الحبر، علاوة على الفانوس المضيء.
سأله الرجل: “من أنت، وما الذي تفعله بمنزلي؟”.
فأجاب الشاب بكلمتين اثنتين لا أكثر: “الصلاة قبل الكلام”.
وتذكر تقوى الله فأعلمه قائلا: “توضأ وصلي بنا فإن الإمامة لمالك الدار”.
بالتأكيد نفذ مالك الدار رغبته في الصلاة به خوفا من أن يكون حاملا لسلاح أو ما شابه ذلك ففي النهاية إنه غريب لا يعرف عنه شيء؛ وبعد الانتهاء من الصلاة سأله الرجل: “ماذا تفعل في منزلي، ومن أنت يا هذا؟!”.
أجابه الشاب: “إنني لص”.
اندهش الرجل من كلامه ولكنه واصل حديثه قائلا: “لص!!، وماذا تفعل بدفاتري؟”.
أجابه الشاب: “كنت أحسب مقدار زكاتك على مدار الستة سنوات الماضية”.
فلما وجده الرجل يتكلم معه بكل صدق طلب منه أن يخبره قصته كاملة من الألف للياء، وحينما أنهى الشاب حديثه عرض الرجل عليه ابنته الوحيدة وقد كانت في غاية الجمال ليتزوج بها، ونصف أمواله وأن يشاركه هو ووالدته المنزل لما رأى فيه من تقوى الله، قبل الشاب عرض الرجل؛ وعندما حل الصباح أرسل الرجل الثري في طلب المأذون لعقد القران.
جعل الشاب خالقه أمام عينه في كل عمل قام به، حتى بالأعمال السيئة تلك هي تقوى الله، فكان الجزاء من جنس العمل.