قصة ذي القرنين والسد العظيم
من هو ذو القرنين ؟؟؟
وردت قصة ذي القرنين في القرآن في سورة الكهف قال الله تعالى{*وَيَسْأَلُونَك عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا*عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}(الكهف83) ، وقد كان هو الملك الصالح كما عبرت عنه الاخبار الذي مكن له الله في الأرض وبلغ مشارق الأرض ومغاربها بالأسباب الإلهية ، وقد ارتبط اسمه بقصة بناء سد يأجوج ومأجوج التي تحدث عنها القرآن ، وقد كانت شخصية ذي القرنين محل جدل بين كثير من الباحثين والمؤرخين ، فمنهم من قال بأنه الاسكندر المقدوني كما ذكر ابن هشام في السير والتيجان، وذهب إلى قوله كل من ابي ريحان البيروني ونشوان الحميري في كتابه شمس العلوم وكتاب خلاصة السير الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة ، بينما يرى ابن عباس أن الإسكندر غير ذي القرنين، إذ قال عن ذي القرنين أنه (من حمير وهو الصعب بن ذي مرائد الذي مكنه الله في الأرض وآتاه من كل شيء سببا فبلغ قرني الشمس ورأس الأرض وبنى السد على يأجوج ومأجوج).
بينما الإسكندر كان رجلا صالحا روميا حكيما بنى على البحر في إفريقية منارا، وأخذ أرض رومية، وأتى بحر العرب، وأكثر عمل الآثار في العرب من المصانع والدول ، غير ان ما يعنينا هنا ما ورد في شأنه في القرآن واحاديث أهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهم المنبع الاصيل والنور الصافي الذي يستضاء به في الظلمات الحالكة، حيث سئل امير المؤمنين (عليه السلام) عن ذي القرنين انبياً كان ام ملكاً ؟ فقال : ) لانبياً ولا ملكاً بل عبداً احب الله فأحبه ونصح لله فنصح له ، فبعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الايمن فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ، ثم بعثه الله الثالثة فمكن الله في الأرض وفيكم مثله)(قص ص الراوندي ص121 ).
وورد عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : (إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ، ولكنّه كان عبداً صالحا أحب الله فأحبّه الله ، وناصح الله فناصحه الله ، أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا ، ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر . وفيكم من هو على سنّته ، وأنّه خيّر السّحاب الصعب والسّحاب الذّلول ، فاختار الذّلول فركب الذّلول ، وكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرّسل)(كمال الدين وتمام النعمة ص393).
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً لم يكن له قرن من ذهب ولا من فضة ، بعثه الله في قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن . وفيكم مثله)(تفسير القمي ج2 ص41).
وعن ابي بصير عن ابي جعفر(عليه السلام) قالان ذا القرنين لم يكن نبياً لكنه كان عبداً صالحاً احب الله فأحبه الله وناصح الله فناصحه الله امر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا ثم رجع اليهم فضربوه على قرنه الآخر وفيكم من هو على سنته ..)(قصص الراوندي ص120).
على أي حال فقد ارتبط قصة ذي القرنين بشكل وثيق بقصة يأجوج ومأجوج الذين كانوا مفسدين في الأرض فبنى ذلك السد العظيم ليخلص الناس من شرهم إلى يوم القيامة
وقد ذهب بعض المفسرون والمؤرخون –كما اسلفنا – إلى القول بان ذي القرنين انما هو (الاسكندر الاكبر المقدوني) ذاته الذي بنى مدينة الاسكندرية ومن امثال هؤلاء المؤرخين المسعودي وبن عبد الحكيم والثعلبي والقرطبي وابن سينا وليون الافريقي وكل اولئك اكدوا ان قبر ذي القرنين في مصر بمدينة الاسكندرية (هنا قبر الاسكندر ص120).
ويمكن أن نرجع الآراء إلى ثلاث نظريات أساسية هي:
النظرية الأولى: يرى البعض أن ذا القرنين ليس سوى الإسكندر المقدوني، لذلك فإنهم يسمونه الإسكندر ذو القرنين، على رغم أن الذي سماه الإسكندر هو ابن هشام 213 هـ - 828م، وحدد أنه الإسكندر الذي بنى مدينة الإسكندرية، فنسبت إليه. ويعتقد آخرون أن أول من قال بهذه النظرية هو الشيخ ابن سينا في كتابه الشفاء. ولكن المقدوني لم يبن سدا، ولو قيل إنه سور الصين، فيرد بأنه مازال قائما وهو ليس مبنيا بالكيفية التي ذكرها القرآن، كما أن صفات ذي القرنين لا تنطبق على المقدوني من جهة الإيمان والكفر، والسلوك العملي.
النظرية الثانية: يرى جمع من المؤرخين أن ذا القرنين كان أحد ملوك اليمن وكان ملوك اليمن يسمون بـ تبع وجمع ذلك تبابعة.
وقد دافع عن هذه النظرية الأصمعي في تأريخ العرب قبل الإسلام، وابن هشام في تأريخه المعروف بسيرة ابن هشام، وأبو ريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية. وتم إيراد أبيات لا يعلم مقدار النحل أو لعثمة التاريخ فيها - لشعراء حميريين وبعض من شعراء الجاهلية تفاخروا بكون ذي القرنين من قومهم. وفقا لهذه النظرية يكون سد ذي القرنين هو سد مأرب المعروف. ولكن هذا الرأي لا يستقيم لأن السد القرآني بني للحماية، وهذا السد بني لخزن المياه ومنعها من الفيضان، وقد ذكر القرآن شرحا لذلك في سورة سبأ، كما أن المواد المستخدمة في بناء مأرب ليست الحديد والنحاس المذاب، وصفات ذي القرنين لا تنطبق على الملك التبعي.
النظرية الثالثة: وهي أحدث النظريات في هذا المجال وردت عن المفكر الإسلامي المعروف أبي الكلام آزاد، الذي شغل يوما منصب وزير الثقافة في الهند. وقد أورد رأيه في كتاب حققه في هذا المجال. وطبقا لهذه النظرية فإن ذا القرنين هو نفسه كورش الكبير الملك الأخميني. وقد وجد قرينة من اسمه تثبت صوابية احتمال أنه هو، فالقرنان يشيران إلى احتواء تاجه الخاص على قرنين . كما أن الصفات المميزة لذي القرنين تتفق مع صفات كورش من الإيمان والسماحة والخلق العالي والقوة والسيطرة وتعدد القوات والرحلات الثلاث للغرب، للشرق، للمضيق الجبلي وغيرها الموجودة لدى ذي القرنين.
وقد عقد صاحب تفسير الأمثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دراسة مقارنة مختصرة تثبت أن كورش وفق النصوص التوراتية ولدى مقاربتها بالسائلين المطلعين على أخباره من كتبهم –اليهود- هو ذو القرنين، الذي وحد بلاد ماد وفارس، وشكل منهما مملكة كبيرة، مضافا إلى الأثر الأركيولوجي لتمثال كورش بالقرب من مدينة اصطخر بجوار نهر المرغاب، ويظهر من هذا التمثال أن لكورش جناحين من الجانبين يشبهان جناح العقاب، وعلى رأسه تاج يشاهد فيه قرنان يشبهان قرني الكبش، ما يعزز تفسير القرنين بقرني تاج رأسه. والأهم ما يثبته تتبع أسفار كورش ومطابقتها لما ورد في القرآن، ويؤكد أن مضيق داريال الذي يشاهد في الخرائط المنتشرة في الوقت الحاضر، ويقع بين والادي كيوكز وتفليس مازال يظهر فيه حتى الآن الجدار الحديد الأثري، والذي هو السد نفسه الذي بناه كورش، إذ ثمة تطابق واضح بينه وبين ما ذكر القرآن من صفات وخصائص لسد ذي القرنين.
كل تلك التأكيدات لم تتبلور بشكل نهائي باعتبار استمرار وجود نقاط مبهمة في هذه النظرية، إلا أنها في الوقت الحاضر تعتبر أفضل النظريات في تشخيص شخصية ذي القرنين وتطبيق مواصفاتها القرآنية على الشخصيات التاريخية.
ويستنتج أن يأجوج ومأجوج هم من القبائل الوحشية، اذ طلب أهل القوقاز من كورش عند سفره إليهم أن ينقذهم من هجمات هذه القبائل، لذلك أقدم على تأسيس السد المعروف بسد ذي القرنين().
ونقل الرازي في تفسيره قوله: اختلف الناس في ذا القرنين من هو، وذكروا اقوالا:
الاول: انه الاسكندر بن فيلقوس اليوناني ،قالوا: والدليل عليه ان القرآن دل على ان الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى اقصى المغرب بدليل قوله تعالى{حَتَّىظ°*إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ*فِي*عَيْنٍ حَمِئَةٍ*}.
وايضا بلغ ملكه اقصى المشرق بدليل قوله تعالى{حتى اذا بلغ مطلع الشمس} ...ومثل ذلك الملك البسيط لا شك انه على خلاف العادة لذلك وجب ان يبقى ذكره مخلدا على مر الدهر وان لا يبقى مخفيا مستترا ، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ انه بلغ ملكه إلى هذا القدر ليس الا الاسكندر.
وذلك انه لما مات ابوه جمع ملوك الروم بعد ان كانوا طوائف ثم قصد ملوك المغرب وقهرهم وامعن حتى انتهى إلى البحر الاخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الاسكندرية وسماها على اسمه، ثم دخل إلى الشام وقصد بني اسرائيل وورد بيت المقدس وذبح فيها مذبحة ، ثم انعطف إلى ارمينية وباب الابواب ودانت له العبرانيون والقبط والبربر وتوجه بعد ذلك إلى دارا بن دارا وهزمه مرات إلى ان قتله صاحب حرسه واستولى الاسكندر على ملوك الفرس وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهر زور ومات بها ، فلما ثبت بالقرآن ان ذا القرنين كان رجلا ملك الأرض بالكلية او ما يقرب منها وثبت بعلم التواريخ ان الذي هذا شأنه ما كان الا الاسكندر، وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فيلقوس اليوناني .
القول الثاني: قال ابو الريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه بالآثار الباقية من القرون الخالية : قيل : ان ذا القرنين هو ابو كرب شمر بن عمير بن افريقش الحميري ، وهو الذي بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها وهو الذي افتخر به احد الشعراء من حمير حيث قال:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ملكا علا في الأرض غير معبد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي اسباب ملك من كريم سيد
ثم قال ابو الريحان: ويشبه ان يكون هذا القول اقرب لأن الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلوا اساميهم من ذي كذي المنار وذي نواس وذي النون وذي يزن.
القول الثالث: انه كان عبدا صالحا ملكه الأرض واعطاه العلم والحكمة والبسه الهيبة.
القول الرابع :ان ذا القرنين ملك من الملائكة ، عن عمر وانه سمع رجلا يقول: يا ذا القرنين ، فقال :اللهم اغفر اما رضيتم ان تسموا بأسماء الأنبياء حتى سميتم بأسماء الملائكة؟
فهذه جملة مما قيل في هذا الباب ، والقول الاول اظهر لأجل الدليل الذي ذكرناه وهو ان مثل هذا الملك العظيم يجب ان يكون معلوم الحال وهذا الملك العظيم هو الاسكندر فوجب ان يكون المراد بذي القرنين هو، الا ان فيه اشكالا قويا وهو انه كان تلميذا لأرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه ، فتعظيم الله اياه يوجب الحكم بان مذهب ارسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل اليه..)انتهى كلام الفخر الرازي ج21 ص493)
ومما تقدم نستنتج ان الكثير من أمثال الفخر الرازي قد ذهبوا إلى القول إلى أن الأقرب إلى تعيين شخصية ذي القرنين هو اعتباره نفسه الاسكندر المقدوني الملك المعروف ، وان كان الرازي قد اورد اشكالا قويا في أواخر الكلام لا سبيل إلى حله ، فكيف يكون مذهب الفلسفة المنبوذ في الاديان هو مذهب ذي القرنين الرجل الصالح بعد القول انه –باعتباره الاسكندر- تلميذ ارسطو طاليس الفيلسوف اليوناني الشهير!؟
لكن يبدو ان المؤرخين ربما نسوا او تناسوا حقيقة تاريخية مهمة لا غنى عنها ألا وهي اعتبار أن ذي القرنين كان معاصرا لأحد انبياء اولي العزم وهو ابراهيم (عليه السلام) وهو ما صرحت به الاخبار عن أهل البيت (عليهم السلام).
فعن الثمالي عن الباقر (عليه السلام) قال: (اول اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين وابراهيم الخليل ، استقبله ابراهيم فصافحه ..)(امالي الطوسي 218).
اما تاريخيا فالمعلوم ان ابراهيم الخليل عاش ما بين (سنة 2200 ق.م -2000ق.م) بينما جاء الاسكندر بعده بقرون وكما يذكر المؤرخون حوالي(365ق.م-323ق.م) ، وهذه تعتبر هوة كبيرة وعريضة بين العصرين –أي عصر الإسكندر الأكبر وعصر ابراهيم الذي عاصره ذو القرنين المذكور في القرآن، وهذا ما أشار إليه العلامة المجلسي في قصص الأنبياء قال: (الظاهر من الاخبار انه غير الاسكندر وانه كان في زمن ابراهيم وانه اول الملوك بعد نوح (عليه السلام) واما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعدما قد عرفت ، مع ان الملوك المتقدمة لم يضبط احوالهم بحيث لا يشذ عنهم احد ، وايضاً الظاهر من كلام أهل الكتاب الذين عليهم يعولون في التواريخ عدم الاتحاد ..)انتهى كلام العلامة المجلسي(قصص الانبياء277).
وبعد كل هذا نقول يخلط بعض الناس بين الإسكندر المقدوني المعروف في التاريخ الغربي وبين ذي القرنين الذي قص الله تعالى خبره في القرآن . فالإسكندر المقدوني حكم اليونان قبل المسيح (عليه السلام) بثلاثة قرون تقريبا، وكان على الديانة الوثنية، ووزيره أرسطو الفيلسوف المشهور، وكان أرسطو كما هو معروف من ملاحدة الفلاسفة، على عكس المشهور عن أستاذيه سقراط وأفلاطون فإنهما كانا يؤمنان بوجود الله، وأما أرسطو فينفي وجود خالق لهذا الكون. أما ذو القرنين فكان قبل المقدوني بقرون، وكان مؤمنا ويغلب على الظن أنه حكم في آسيا وأفريقيا، ويرى كثير من المؤرخين العرب أن ذا القرنين كان ملكا عربياً.