بالرغم من أن قصة مولان الشهيرة التي شاهدها معظمنا في الفيلم الذي أنتجته ديزني في عام 1998 تندرج تحت مسمى “الأساطير” أو الحكايات الخيالية، فإن لعلماء الآثار رأياً آخر، فهم يعتقدون أن امرأة حقيقية من نساء شيانباي المحاربات شكلت مصدر الإلهام لقصة مولان، وقد قادهم إلى ذلك الاستنتاج هياكل عظمية وجدت في أحد المواقع الأثرية في منغوليا.
بالتأكيد لم يرافق تلك المحاربة من شيانباي تنين صغير الحجم، كذلك الذي رافق مولان في رحلتها في فيلم ديزني الشهير، لكن بقية القصة قد تكون وقعت حقاً قبل حوالي 1850 عام.
إليكم تفاصيل القصة بحسب ما وردت في موقع New Scientist البريطاني.
أسطورة مولان
تقول الأسطورة إن إمبراطور الصين قد طلب أن تتبرع كل عائلة من شعبه بإرسال رجل واحد لينضم إلى الجيش الإمبراطوري لمواجهة الغزاة، في زمن كان لا يسمح فيه للمرأة بأن تحمل السيف أو تنخرط في الدفاع عن بلدها.
لكن فتاة تدعى مولان واجهت صعوبة في تنفيذ أوامر الإمبراطور، فالرجل الوحيد الموجود في عائلتها هو والدها المحارب المتقاعد الكبير في السن.
وبحسب الروايات الشعبية، قررت مولان عدم السماح لوالدها بالذهاب، فتنكرت بزي رجل، وذهبت إلى الحرب عوضاً عنه.
ولدى علماء الآثار دلائل تؤكد أن تلك القصة ليست مجرد أسطورة أو حكاية خيالية، بل هي قصة حقيقية حدثت مع واحدة من نساء شيانباي المحاربات.
نساء شاينباي اللواتي شكلن إلهاماً لقصة مولان
لم يكن من الشائع أن تركب النساء المنغوليات الخيول أو تنضم إلى صفوف المحاربين، لكن بعض الآثار القديمة التي تم العثور عليها في سهول منغوليا تقول عكس ذلك.
فهناك أدلة على أن نساء الـ”شاينباي” قد اعتدن على ركوب الخيل وأتقن استخدام السيوف والسهام والأقواس.
وقد كان قوم الـ”شاينباي” شعباً بدوياً قديماً سكن سهول شرق أوراسيا (ما يعرف اليوم بـ”منغوليا” شمال شرق الصين)، ويرجح أن أسطورة مولان الشهيرة قد استوحت من نسائهن المحاربات.
هياكل عظمية لنساء محاربات
درست كريستين لي وياهيرا جونزاليس من جامعة ولاية كاليفورنيا الهياكل العظمية في 29 من المدافن القديمة في جميع أنحاء منغوليا.
كانت المدافن تنتمي لثلاث مجموعات من البدو الرحّل: الشيونجنو الذين بدأوا باحتلال المنطقة منذ حوالي 2200 عام مضت، وشيانباي الذين تولوا السلطة منذ حوالي 1850، والشعوب التركية الذين شرّدوا الشيانباي منذ حوالي 1470 عاماً.
تنتمي ثلاثة من الهياكل العظمية لنساء شيانباي، اثنان منها يحتمل أنهما كانا لمحاربات.
وقد توصلت كريستين وياهيرا لهذا الاستنتاج جزئياً بسبب طبيعة العلامات التي تُركت على العظام حيث تدل تلك العلامات على أن صاحبات هذه الهياكل كن يستخدمن عضلاتهن بشكل أكبر من بقية النساء، كما تشير العلامات على أنهن استخدمن العضلات التي يستخدمها الفرسان أثناء ركوب الخيل، بالإضافة إلى وجود مؤشرات تدل على أنهن مارسن الرماية.
فوجئت كريستين بالاكتشاف، وتقول: “بالتأكيد أعداد النساء اللواتي سُمح لهن بالمشاركة في مثل هذه الأنشطة كانت ضئيلة للغاية”، وأضافت أن التاريخ المنغولي يشير كذلك لندرة انخراط النساء في مثل هذه الأعمال.
تشير علامات على ثلاثة هياكل عظمية أخرى إلى أن نساء شيونجنو ربما شاركن في الرماية وركوب الخيل أيضاً بدرجة محدودة.
وتشير ثلاثة هياكل عظمية أخرى إلى أنَّ النساء التركيات على ما يبدو لم يمارسن الرماية، بالرغم من أنه يبدو أنهن قضين بعض الوقت المحدود في ركوب الخيول.
تداخلات بين قصة مولان الأصلية وقصص هؤلاء النسوة
قد يكون هناك سبب بسيط جعل بعض نساء شيانباي محاربات، فالمشهد السياسي لم يكن مستقراً في الفترة الزمنية التي عشن فيها، فبعد انتهاء سلالة هان في الصين عام 220 ميلادياً، انتشرت أعمال العنف والحروب في جميع أنحاء المنطقة لقرون.
وربما كان ذلك هو السبب الذي دفع النساء آنذاك للانخراط في الحروب مع أنهن كن ممنوعات من ممارسة الأعمال القتالية.
وبكل الأحوال، هناك العديد من الدلالات في قصة مولان الأصلية والتي تشير إلى أنها ربما كانت واحدة من نساء شيانباي.
فعلى سبيل المثال لم يكن تقليد إرسال رجل واحد من كل عائلة للخدمة في الجيش شائعاً في الصين، لكن البدو الرحل الذين تتراوح أعمارهم بين سن 15 و55 عاماً ملزمون بتقديم رجل واحد للتطوع في الجيش.
وبالرغم من أن فيلم مولان الجديد الذي أنتجته ديزني عام 2020 يروي أن مولان قد انضمت للجيش الإمبراطوري الصيني للقتال ضد بدو السهوب الأوراسية، فإن قصتها الأصلية تروي أنها انضمت للقتال مع جيش شيانباي ضد الغزاة.
وربما لم تكن محاربات شيانباي استثناء في المنطقة، فقد كشفت الحفريات الأخيرة في سيبيريا وكازاخستان عن آثار لنساء دُفنّ مع السيوف والعربات الحربية.