فن اﻻعتذار
يحكي احد المدربين القصة قائلاً : خلال تقديمي لإحدي الدورات التدريبية الخاصة بالرجال، لاحظت رجلاً وسط الحاضرين قد تغيرت ملامح وجهه تماماً ونزلت من عيونه دموع علي خده، وقد كنت في هذا الوقت اتحدث عن مهارات التعامل مع الابناء وكيفية احتوائهم واستيعابهم خاصة في بعض المراحل العمرية التي يكون فيها الابناء في عز الاحتياج الشديد لدعم آبائهم .
وبعد ان انتهيت من المحاضرة وجدت هذا الرجل يأتيني ويحدثني علي انفراد خلال فترة الاستراحة، قال لي الرجل : هل تعلم لماذا تأثرت بهذا الشكل من موضوع الدورة ونزلت دموعي ؟ لم ينتظر اجابتي واكمل حديثه قائلاً في تأثر : إن لدي ابن يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً وقد هجرته منذ خمس سنوات كاملة لأنه لا يهتم بكلامي ولا ينفذه، ويخرج دائماً مع اصدقاء السوء ويدخن السجائر واخلاقه فاسدة كما انه لا يبر امه ولا يصلي ولا يطيع اوامر الله ، فقررت ان اقاطعة ومنعت عنه المال ولكنه ايضاً لم يرجع عن افعاله فنبيت له غرفة خاصة علي سطح منزلي وجعلته لا يدخل المنزل ابداً .
وقد تأثرت كثيراً عندما سمعت كلماتك عن كيفية التعامل مع الابناء، ولا ادري الآن هل استمر في مقاطعته بسبب اخطاءه او اعيد العلاقة معه ؟ بماذا تنصحني ؟! قلت له باهتمام : بالتأكيد عليك اعادة العلاقات معه اليوم قبل الغد، وإن كان ابنك قد اخطأ ذات يوم فإنك بمقاطعتك له تساعده علي الاستمرار في الخطأ بدلاً من الرجوع عنه، ليس هذا فقط، بل عليك ايضاً الاعتذار منه عن مقاطعتك له لمدة خمسة اعوام، واخبره عن امنياتك منه ان يكون باراً بوالديه ومستقيماً في سلوكه من اجل مستقبله .
رد الرجل متعجباً : انا والده، كيف اعتذر منه ؟ نحن لم نتربي ابداً علي ان يعتذر الاب من ابنه ؟! قلت له : وما الخطأ في ذلك يا اخي ؟! إن علي المخطئ ان يعتذر مهما بلغت مكانته، لم يعجبه كلامي بالطبع واصرف بعد أن شكرني علي اهتمامي ووقتي .
وفي اليوم الثاني من الدورة جاءني مبتسماً سعيداً، فرحت لفرحه كثيراً وقد خمنت السبب فاقتربت منه وسألته عن اخباره فقال لي طرقت على ابني الباب في العاشرة ليلاً واعتذرت منه علي مقاطعته لهذه السنوات الطويلة، فارتمي ابني بين احضاني وهو يبكي غير مصدقاً، فبكيت معه ثم نظر لي قائلاً : يا أبي أخبرني ماذا تريدني أن أفعل.. فإني لن أعصيك ابداً .
الحكمة من القصة : إن الاب اذا اخطأ في حق ابناءه ليس من العيب ان يعتذر منهم، فإنه بذلك يعلمهم ايضاً الاعتذار عند الخطأ، اما إن لم يعتذر فإنه يربي فيهم صفة التكبر والغرور والتعالي دون ان يشعر .. هذا الفن يحتاجه كثير من الآباء .