ولد الأديب الفرنسي إميل فرانسوا زولا في 2 أبريل/نيسان 1840 وتوفي يوم 29 سبتمبر/أيلول 1902 (ويكي كومنز)
تحلّ هذه الأيام الذكرى السنوية لميلاد الكاتب الفرنسي إميل زولا، أحد أشهر كتاب القرن التاسع عشر، والمثقف الذي وضع الأسس الأدبية للمدرسة الطبعانية، وألّف روايات لا تُنسى تأسست عليها الرواية الحديثة.
ولد إميل إدوارد تشارلز أنطوان زولا في بداية أبريل/ نيسان 1840 في باريس، ولم يمنعه شغفه بالكتابة من التعامل أيضا بتفان مع الفلسفة والنقد الأدبي والعلوم والصحافة، في محاولة لتوسيع حدود الأدب نحو مختلف مجالات المعرفة الأخرى.
وقالت الكاتبة فيديريكا سانتوني في تقريرها الذي نشرته صحيفة "آرت وايف" الإيطالية، إن أدب فرنسا في القرن التاسع عشر، يرتبط بولادة وتطور الروايات والقصائد والكتابات المهمة التي كانت أعمال زولا من أهمها.
البدايات الأدبية
وأفادت الكاتبة بأن دار النشر هاشيت، كانت أول من رحّب ببداية مسيرة زولا التي بدأت عام 1862 في سن الثانية والعشرين، بالعمل صحفيا مهتما بالقضايا السياسية والاجتماعية الفرنسية. وبعد ذلك بعامين، نُشرت أولى قصصه تحت عنوان "حكايات إلى نينون''.
كانت البداية الأدبية الحقيقية لزولا عام 1867 مع الرواية الشهيرة "تيريز راكوين"، التي أعلن من خلالها بقوة عن مذهبه "الطبعاني"، ونال على إثرها تقديرا لشعره ومذهبه الفلسفي.
وظهر مصطلح "الطبعانية" للمرة الأولى قبل بضع سنوات من ذلك، وتحديدا عام 1858 في مقال للناقد الوضعي إيبوليت تين الذي عمل على المراقبة الوثيقة للسلوك البشري. ومع حركة الطبعانية، ظهرت نظرية في الرواية تقول إن الأدب مرتبط ارتباطا وثيقا بالعلوم الطبيعية وطابعها التجريبي، بخلاف المدارس الأدبية الأخرى التي تركز على المُثل والرومانسية والجوانب الروحية والخيال المتجاوز للطبيعة.
وتعتقد المدرسة الطبيعية أن قوانين الطبيعة وحدها هي ما يحكم العالم وليست أي قوى خارقة أو روحية؛ وهي بذلك تنكر وجود الإله والعالم الغيبي وغير المادي، وتركز في أعمالها الأدبية على تناول رذائل الإنسانية والبؤس البشري. ويرى بعض نقاد هذه المدرسة أن روادها عاملوا الشخصيات البشرية في الأعمال الأدبية كمخلوقات لا تختلف عن أي حيوان آخر.
اعلان
وينحى زولا نحو توسيع مجال المنهج التجريبي المرتبط بالفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية لمجال الخيال والأدب، ويجادل في أن ذلك المنهج الطبيعي يمكن أن ينتقل كذلك للحياة العاطفية والفكرية، وتعد توجهاته رد فعل متطرفا على المدرسة الرومانسية في الأدب والفن التي اعتبر الأديب الفرنسي أنها تركز على الشكل لا الواقع.
وتعود أصول زولا إلى إيطاليا حيث عاش والده في البندقية، وتم تجنيس الأديب كمواطن فرنسي في ستينيات القرن التاسع عشر، وعاش في حياته متقلبا بين الفقر والثراء، وتوفي في 29 سبتمبر/أيلول 1902 متسمما بغاز أول أكسيد الكربون الناجم عن مدخنة جيدة التهوية، وهو ما أثار العديد من الشكوك بشأن الحادثة لاحتمال أن يكون قتل عمدا من أحد خصومه.
الأب الروحي للطبعانية
خطط إميل زولا بين عامي 1868 و1870 لكتابة سلسلته القصصية الطويلة والشهيرة في مجموعة مكونة من 20 رواية، مخصصة للملاحظة والمراقبة التفصيلية للمجتمع المعاصر، من خلال التحليل والسرد الأدبي لقصة عائلة ثرية عاشت في ظل الإمبراطورية الفرنسية الثانية.
وتزامن وقت صياغة هذه السلسلة مع عمل دؤوب، كرّس له زولا نفسه لأكثر من عشرين عاما، حيث ترتبط الشخصيات ببعضها بعضا وتتشابك لتجسد الأمراض الشائعة والشخصيات الشاذة، وقد ترجمت العديد من رواياته للعربية.وأشارت الكاتبة إلى صقل زولا مذهبه في الطبعانية عبر الدراسة الفلسفية للفلسفة الوضعية الداروينية، التي جمع فيها النظريات العلمية المختلفة والمكتسبات المهمة لعالم الفيزياء كلود برنار. وكان إميل زولا قريبا ومتأثرا بأصدقائه من الكتاب الفرنسيين المعاصرين له مثل دي غونكور، وألفونس دوديه، وغوستاف فلوبير.
وإذ يعتمد زولا على الملاحظة والتجريب في بناء الرواية، ينظر الأديب الفرنسي للأدب كنموذج تجريبي لعلم النفس البشري، وهذا الادعاء هو ما دفع العديد من النقاد -مثل الناقد البولندي جيورجي لوكاس- لوصف أعمال زولا بأنها فقيرة بشكل كبير في بناء شخصيات نابضة بالحياة وبطريقة مؤثرة لا تنسى، على غرار الروائي الإنجليزي المنتمي لمدرسة الواقعية الأدبية تشارلز ديكنز مثلا.
ووصف بعض النقاد شخصيات زولا الأدبية بأنها كاريكاتورية أو "من الورق المقوى".
ويرتبط صعود أدب المدرسة الطبعانية بتقهقر الكنيسة وتراجع الدين في فرنسا منذ ثورتها الكبرى، ونقل عن زولا قوله إن "الحضارة لن تبلغ الكمال حتى تقع آخر حجرة من آخر كنيسة على آخر قس".وتعرضت أفكار الطبعانية للكثير من النقد بسبب ارتباطها برؤية مادية تنفي الوجود غير المادي. وفي كتابه "ثقل المجد وعناوين أخرى" سخر الكاتب الإيرلندي كليف جاك لويس من أفكار المدرسة الطبعانية قائلا "إذا كانت العقول تعتمد كليا على الأدمغة، والأدمغة تعتمد على الكيمياء الحيوية، والكيمياء الحيوية تستند إلى التدفق العشوائي للذرات؛ فلا أستطيع أن أفهم كيف يجب أن يكون لتفكير هذه العقول أهمية أكبر من صوت الرياح في الأشجار".
إرث أدبي
وفي تقرير الصحيفة الإيطالية، اعتبرت الكاتبة أن سرد زولا حقيقي وملموس ويحرص على عدم الزج بالشخصية في الأحداث التي تتبلور بطريقة موضوعية.
فقبل الكتابة، اعتاد المؤلف على التنقيب في الأماكن والعادات المعتادة للمجتمع الفرنسي، ونتيجة هذا البحث المحموم تبدو واضحة للذين يقرؤون رواياته التي تزخر بأوصاف تعكس قسوة أحياء العمال في باريس في رواية ''بطن باريس''، وحداثة متوحشة وشبيهة بالخردة في رواية ''الوحش البشري".
وعلى الرغم من ادعائه التمسك بالرؤية العلمية، يرى زولا أن العلم يتقدم نحو دولة تكون فيها البشرية مسيطرة على الحياة وقادرة على توجيه الطبيعية، وهو الادعاء الذي يبدو بعد أكثر من قرن من الزمن أبعد ما يكون عن الواقع، خاصة في ظل جائحة كورونا الحالية.