خرج التوقيع إلى ابي الحسن السمري (رضي الله عنه) :
(يا علي بن محمد السمري اعظم الله أجر اخوانك فيك ، فانّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ، ولا توصى إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور الّا بعد اذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، أَلاَ فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم) .
المصدر : (الغيبة للطوسي : ص395، الطبعة المحققة.)
*
والجواب على هذا الخبر بعدّة وجوه :
*
1- الجواب الأول :
انّ هذا الخبر ضعيف ، بل انّه خبر واحد ولا يفيد الّا الظنّ ولا يورث الجزم واليقين ، فلا يقدر أن يعارض الوجدان القطعي الذي حصل من مجموع تلك القصص والحكايات التي خصت اللقاء به (عجّل الله فرجه) ، ولو انّه لم يحصل من كلّ واحدة بوحدها ، بل انّ في جملة منها كرامات ومعاجز لا يمكن صدورها من غيره (عليه السلام) ، فكيف يصحّ الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله وهو الشيخ الطوسي في نفس الكتاب ، كما يأتي كلامه في هذا المقام ، فكيف بغيره ؟
من دعاء النُدبة : (فَأَغِثْ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدَكَ الْمُبْتَلَى "وَأَرِهِ" سَيِّدَهُ يَا شَدِيدَ الْقُوَى وَأَزِلْ عَنْهُ بِهِ الْأَسَى وَالْجَوَى وَبَرِّدْ غَلِيلَهُ يَا مَنْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وَمَنْ إِلَيْهِ الرُّجْعَى وَالْمُنْتَهَى . اللَّهُمَّ وَنَحْنُ عَبِيدُكَ الشَّائِقُونَ إِلَى وَلِيِّكَ الْمُذَكِّرِ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ) .
*
2- الجواب الثاني :
لعلّ المقصود من هذا الخبر تكذيب من يدّعي المشاهدة مع النيابة ، وايصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال سفرائه الخاصّين الذين كانوا له في الغيبة الصغرى.
وهذا الجواب للعلامة المجلسي في كتاب البحار : ج 52، ص 151.
قال (رحمه الله) بعد أن نقل هذا التوقيع عن الاحتجاج وكمال الدين : " لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وايصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء لئلاّ ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه (عليه السلام) والله اعلم ".
*
3- الجواب الثالث :
الخبر الذي رواه الحضيني في كتابه عن أمير المؤمنين ((عليه السلام)) انّه قال:
يظهر صاحب الأمر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا عهد ولا عقد ولا ذمّة.
يغيب عن الخلق إلى وقت ظهوره.
قال الراوي: يا أمير المؤمنين! لا يرى قبل ظهوره؟
قال: بل يرى وقت مولده، وتظهر براهين ودلائل، وتراه عيون العارفين بفضله الشاكرين الكاملين، ويبشر به من يشكّ فيه .
أو انّ المقصود مثل الخبر الذي رواه الشيخ الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة عن الامام الصادق (عليه السلام) انّه قال: " لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابدّ له في غيبة من عزلة، وما بثلاثين من وحشة " .
المصادر : (الكافي : ج 1، ص 340 . البحار: ج 52، ص 153 . الغيبة للنعماني : ص 188.)
يعني يستأنس (عليه السلام) في غيبته بثلاثين نفر من اوليائه وشيعته، فلا يستوحش من الخلق في عزلته، كما فهمه شارحو الأحاديث من هذه العبارة.
وقال بعضهم: انّه (عليه السلام) في سن الثلاثين سنة دائماً، وصاحب هذا السن لا يستوحش أبداً .
وهذا المعنى بعيد للغاية.
والظاهر انّ هؤلاء الثلاثين نفر هم الذين يستأنس بهم الامام (عليه السلام) أيام غيبته ولابدّ أن يبدلوا في القرون والأعصار فانّه لم يثبت لهم من العمر ما ثبت لسيّدهم، فلابدّ أن يوجد في كلّ عصر ثلاثون نفر من الخواص الذي يفوزون بشرف الحضور.
وروى ايضاً الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري بأسانيد معتبرة قصة علي بن ابراهيم بن مهزيار وكيفية سفره من الأهواز إلى الكوفة ومنها إلى مكة، وفحصه هناك عن امام العصر (عليه السلام) والتقائه في الطواف بفتى فأخذه معه إلى قرب الطائف ـ بقعة نزهة كثيرة العشب والكلأ ـ وفي اعلاها التقى بالامام (عليه السلام).
وبرواية الطبري انّه عندما التقى بذلك الفتى الذي هو أحد خواصّه بل أحد اقربائه المختصين به قال له ذلك الفتى: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟
قال: الامام المحجوب عن العالم.
قال: ما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم... الخ .
المصدر : (دلائل الامامة للطبري : ص 296).
وقد صرّح العلماء الأعلام ومهرة فن الأخبار والكلام بامكان الرؤية في الغيبة الكبرى.
وقال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في جواب من قال :
(فإذا كان الإمام (ع) غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه ؟)
المصدر : (تنزيه الأنبياء (ع) للسيد المرتضى : ص 182.)
*
نقل بتصرف من كتاب النجم الثاقب في أحوال الحجة الغائب
(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)