طرأت تغيّرات كثيرة على المسلسلات المتلفزة منذ انتشارها الواسع في خمسينات القرن الماضي حتى الآن، فبعد أن كانت السينما تحتكر الابتكار والقدرة على طرح الأفكار الجدليّة والجريئة التي لم يكن التلفاز قادراً على عرضها بسبب وجود وكالات الإعلان وغيرها من الجهات التي تقيّد المحتوى وتتحكم به، تمكّنت المسلسلات الحاليّة بفضل عوامل عديدة من أهمّها وجود شركات ترفيهيّة مستقلّة مثل Netflix و HBO من اكتساب المرونة اللازمة، وتحوّلت الحلقات الدراميّة أو البوليسيّة البحتة التي كانت تُعرض بهدف تسلية المشاهدين إلى فن أكثر تعقيداً يمكنه طرح قضايا مهمّة، إلّا أنّ كثيراً من النُقّاد لم يزل مُصرّاً على وضع هذه المسلسلات في مرتبة أقلّ من السينما والتأكيد على أنّها “لن تكون السينما الجديدة!”.
قد تساعدنا هذه المقارنة بين الأفلام والمسلسلات على تخمين السبب في جعل البعض يفضل أحدهما دون الآخر كما سنرى في هذا المقال.
أوّلاً : مرحلة الإنتاج
تُعدّ صناعة الأفلام أكثر تكلفةً من صناعة المسلسلات عدا بعض الاستثناءات مثل مسلسل “صراع العروش” أو بعض المسلسلات الوثائقيّة،
من المسلسل الوثائقي Planet earth II
وتستغرق مراحل صناعة الفيلم وقتاً أطول من مراحل صناعة المسلسل حيث يحتاج الفيلم أيام تصويرٍ أكثر من تلك التي يحتاجها تصوير نفس عدد الصفحات من مسلسل، ويعود هذا أساساً إلى أهمية الصورة في السينما حيث يُمكن لحركة الكاميرا واللقطات الطويلة الصامتة إيصال الرسالة في الفيلم وهو ما لا يمكن للمسلسل الذي يعتمد على الحوار بشكل رئيسيّ القيام به.
إضافةً إلى أنّ مرحلة هندسة الصوت والمونتاج للأفلام تأخذ وقتاً أطول بكثير من حلقات المسلسل التي غالباً ما يكون إنجازها محدوداً بجدولٍ زمنيّ قصير المدّة.
في النتيجة النهائيّة تحتوي المسلسلات على الكثير من المشاهد الزائدة التي توضع بهدف ملء الوقت المحدّد للحلقة، بينما لا تحتوي الأفلام على أيّ مشاهد مملّة أو حوارات زائدة ولذا تحتاج في المقابل تركيزاً أكبر من المشاهد.
كما أنّ المسلسلات وخاصّةً التي تمتدّ على مواسم عدّة تطلّب التزاماً طويل الأمد بينما تترواح مدّة الفيلم بين حوالي الساعتين إلى ثلاث ساعات على الأكثر، في المقابل فإنّ طول مدّة عرض المسلسل تساعد على بناء شخصيّات أكثر تعقيداً وعمقاً عادةً ما تكون دراميّة أو كوميديّة، حيث نجد الجمهور بعد مدة مهتمّاً بشخصيات المسلسل وردّات فعلها أكثر من اهتمامه بالحدث الذي قد يفقد إثارته بعد فترة معيّنة.
وقد تميّزت المسلسلات في العقد الأخير بتمكنها من إشراك المشاهدين في عمليّة الإنتاج من خلال الاستماع إلى آرائهم وانتقاداتهم عبر منصّات الانترنت ممّا ساهم في تحويل العديد منها إلى ظواهر اجتماعيّة ثقافيّة عالميّة، وهذا ما لم تستطع الأفلام القيام به نظراً لأنها تُقدّم للجمهور بشكلها الفنّي النهائيّ وليس على دفعات متتالية.
ثانياً : طريقة السّرد
عادةً ما يحتوي الفيلم على رؤية مخرج واحد يكون مُشرفاً على مراحل صناعة هذا الفيلم حتى النهاية، بينما يتعدد المخرجون في المسلسل ولذا كثيراً ما ينال كاتب أو كُتّاب المسلسل الفضل عوضاً عن مخرجيه نظراً للجهد الكبير االذين يقومون ببذله مقابل جهد المخرج الذي قد يوجد في حلقات محددة.
وغالباً ما تُعرض المسلسلات من وجهة نظر إحدى الشخصيّات أو من وجهة نظر راوٍ ممّا يعطي المشاهد دوراً سلبيّاً كمتلقٍّ فقط، بينما تسمح لنا السينما باستكشاف القصّة بمفردنا دون أن يتمّ توجيهنا، الأمر الذي عبّر عنه المخرج الفرنسي “جان لوك غودارد” بقوله: “الدراما الحقيقيّة في السينما تحصل بين شاشة العرض والجمهور”.
ما يميّز المسلسلات هو أنّها تمنح المشاهد نفس التجربة تقريباً عند مشاهدة كلّ حلقة، أي أنّنا نعرف في كلّ مرّة أنّ هذا المسلسل بوليسيّ أو كوميديّ أو إلخ، وغالباً ما تكون الشخصيّات في أعمار ثابتة إضافة لمواقع التصوير الثابتة وغيرها، بينما يُمكن للفيلم أن يفاجئنا في سير أحداثه حيث أنّ مدّته القصيرة تمنحه حريّة أكبر في الإبداع والتجريب وكسر طرق السرد التقليديّة.
في النهاية، هناك الكثير من المسلسلات التي أظهرت حسّاً إبداعياً مشابهاً لذلك الذي نراه في السينما وفي المقابل هناك الكثير من الأفلام التجاريّة التي تُنتج سنويّاً بهدف الربح، لذا عزيزي القارئ كلّ ما عليك فعله هو محاولة انتقاء الخيارات الصحيحة سواء من المسلسلات أو الأفلام بحسب ذوقك وتوجّهاتك الفنيّة!.
بانا شعبو - اراجيك