من الحرف الشعبية التي استوقفتنا حيث وجدناها عالماً غارقاً في الدخان والحكايات ، بيع التبغ . ويطلق على بائعيه بالتتنجية .
وقد ذكر كمال لطيف سالم في كتابه : صور بغدادية ، المحفوظ في خزائن دار الكتب والوثائق الوطنية أن محال التتنجية كانت ظاهرة ملفتة للنظر سواء في بغداد او المحافظات فلا تكاد تمر بسوق حتى تقف أمام أكثر من محل لبيع التبوغ (التتن) كما كانوا يبالغون في تزيين محالهم بشكل يصبح مدعاة للتباهي والفخر لهذا فقد أصبح للتبغ وبائعوه ( التتنجية ) شأن في حياة الناس ، فكان التبغ والشاي من الحاجات التي لايمكن الاستغناء عنها .
ويشير كمال لطيف الى ماذكره عزيز جاسم الحجية من أن العالم عرف التبغ بعد اكتشاف امريكا وقد رأى كولمبس حينما نزل الى كوبا عام 1492 م أن بعض الوطنيين يدخنون لفائف التبغ على شكل السيكار الحالي وعرفت تركيا التبغ في أوائل القرن السابع عشر حيث دخل الاستانة بوساطة البواخر الانكليزية فانتشر في العاصمة العثمانية حينذاك وكان العراق من أقدم البلدان العربية التي زرعت التبغ وأول ذكر لأخذ الرسم عليه كان قبل سنة 1646م .
كما ذكر كمال لطيف تعريف الشيخ جلال الحنفي للتتنجية بقوله :
يقال لبائع التتن ومشتقاته تتنجي وجمعه تتنجية وهم الذين يبيعون السكاير والبرنوطي . وأما السيكاير فأنواع ، أقدمها سيكاير العرب وهناك أنواع من التبوغ يميل اليها المدخنون .
كان التبغ في السابق يأتي على شكل بالات مع هذا النوع بضربه عدة مرات " بالريزة " أي عملية النخل ثم يأتي عملية " التسيف " وإخراج " الدمار " من التبغ وينخل من جديد حيث يخرج منه التراب ويبقى اللب أي التبغ . والتبغ أنواع منه مايسمى حار ويطلق عليه شاطر او " شاور " وهذا النوع يدخنه المدمنون على التدخين وهناك تبغ متوسط القوة أي بارد ونوع آخر يسمى شيربازار يزرع في شمال العراق .
أما في ما يخص الأركيلة فيختلف تبغها عن تبغ السيكاير ومما يدخن مع الأركيلة التبغ الهندي ويسمى " غراش " ويقال له أيضا تنباك وهناك التبغ الشيرازي الذي يخلط في بعض الاحيان مع الاول فيطلق عليه " ترس الصدر " وهناك نوع يسمى "أبو جلود" ذي رائحة طيبة .
وللأركيلة قيمة وطقوس قد لايعرفها البعض فمثلا إذا شعل أحد الاشخاص سيكارة من جمرتها يعد ذلك إهانة ويتوجب الفصل او الحشم ، وهناك بعض الدلالات يعرفها عامل الأركيلة جيلة وطوى خرطومها ( القمجي ) حول بدن القنينة ( الشيشة ) ، فهذا يعني أنه انتهى منها ، أما إذا وضع الخرطوم على طارف المقعد فهذا يعني أنه سيعود .
ويقول الشاعر حكمت فرج البدري ، يقول :
حيرني راضي بتروية
نرجيلتي في محنة دائرة
أما بجمر خامد فوقها
او جمرة تمشي بها القاطرة .