إذا أردت إن تنتشي عبقـا بغـداديا معطرا بخضر الياس وشموعـه فعليك بزيارة مبنى القشلة وساعته القــديرة القديمة التي تعطيك انطباعا عظيما لبغدادنا الحبيبة . فهذه الساعة الجميلة ببرجها الرشيق بنيت بعــد بناء( مبنى السـراي ) الثكنـة العسكرية للعثمانيين فـي زمـان الوالـي العثماني ( نـامـق بـاشـا ). وأكمـلت فـي عهـد ( مـدحت باشـا ) عـام (1868) م. فـأراد ألباشـا أن يوقظ الجنود الى أوقات التدريب العسكري لأن القشلة مركز الخيالة لقواته ومقر ولايته أيضا فشـرع فـي بناء ساعة القشلة فـي سـاحة الثكنـة وهـي عبارة عن بـرج عال ٍ وفـي أعلاه نصبت الساعـة . وهـذه الساعـة تدق كل ساعة فقط وكـان صوت رنينهـا تسمعه بغداد ( كرخ ورصافـة ). وخاصة اوقـات الليل والفجــر فكان أهالي بغــداد من العمال والموظفين يستيقظون على دقـاتها ليذهبوا الـى أعمالهـم وكانت الساعة مضاءة وتشاهـد من أماكن بعيدة لكن اليوم البنايات العالية المحاطة بهـا حجبتها عن الأنظار . وكـان الناس يضبطون ساعاتهم على ساعة القشلة . وللعلم أن مدحت بـاشـا قد بنى السراي وبرج الساعة من (حجارة أسوار بغـداد الشرقية ). فقـد هـدم تلك الأسـوار بعـد أن دخـل سلاح المـدفعية فـي القتال ودك الحصـون .
إن برج الساعة عبارة عـن شكل مـربع طول ضلعـه 4 أمتار يضيق كلما ارتفع عن الأرض ويشبه تصميم البرج الى حـد كبير ( المـئذنة ) وارتفاع البرج ( 30 مترا ) وبداخلـه سـلم حلزونـي مـن ( 73 باية ). وفـي نهـايتـه غـرفـة مربعة الشكل وضعـت فيهـا مكائن السـاعة ذات الأربع جهـات . وتحـوي أيضا علـي جـرس الساعة ارتفاعـه ( 1 متر ). وقطره ( 3 متر ). وهو منفصل عـن الساعـة وتتـم عمليـة تنصيب الساعة ( تكويك ) بوساطة مفتاح يشبه ( هندر السيارات القديمة ) لتعطي قـوة تشغيل لمدة (10 أيام ) وللجــرس ( 7 أيـام ).
وللساعة أربعــة وجـوه : الوجه الجنوبي والوجه الغربي يعتمدان التوقيت العربــي ، وأرقـام الوجهين بالعربيــة ) . أمـا الوجهان الشمالي والشرقـي فيعتمدان التوقيت الافرنجي وأرقـامهمـا باللاتينية ألقـديمة. وفـوق قبــة البرج سهــم حــديدي مـربوط مـن الوسـط ويتحرك بحريـة ويؤشـر علـى حركة الريح وتحته أسهم ثابتة تـؤشـر علـى الجهـات الأربع. ووضعت هـذه الأسهــم من قبل الجيش البريطاني عنــد دخول بغـــداد عـام ( 1917م ) ووضـع معهــا (التـاج الانكليزي ) وتمثـال للقـائـد العسكري لجــمن الذي قتل علـى يـد قادة ثورة العشرين العظيمـة.
وكان السيد ( عبد اللطيف أحمد الساعاتي ) هـو المسؤول عـن تنظيف وتزييت وتوقيت الساعة وقد ظل يعمل بهـا حتـى وفـاته عــام ( 1978 م ). وتبيـن أن سـاعـة القشلـة المضبوطـة فـي توقيتاتهــا وحـركتهـا الميكانيكية مصنـوعـة علـى أدق النظريـات لصناعـة الساعـات لهــذا اعتمد البغادة عليهـا فـي توقيتاتهم . فكل الدول تعتمــد علـى ساعاتهم مثل لندن تعتمد على ( ساعة بك بن ) والقاهـرة على ( ساعة جامعة ألقاهـرة ) . وإن ساعة القشلة البغدادية ذات تـأريخ شـامخ يجب أن تفخر بهــا الأمـة العراقية وأن تعتمــد هــذه الساعـة في التوقيت الرسمي للحكومة والقنوات الإعلاميـة ودوائر الدولة كـافــة ونتمنى على الجهات الرسمية برعاية السيد جبار الساعاتي الذي نتمنـى لـه العمـر المـديد والمـزيد مـن الإهتمـام (العامل على صيانة وإدامة الساعة ) وللحكومة المحلية نتمنى أن تشرع في الإهتمام بأقدم وأعرق وأدق ساعة وإنارة برجها لتطل بالبهجة والسرور على أهالي بغــداد لأنهـــا الحارس الأمين والمؤتمن على وقت وتأريخ بغداد الجميلة عروس العــراق .