ـ قهوة جغالة زاده اول مقهى بني في بغداد
تعد المقاهي البغدادية من الأندية الاجتماعية التي تكمل دورة الحياة اليومية للسوق وللمحلة وهي بالرغم من خلوها من الطابع المعماري الخاص ، إلا إنها تمتاز بفضاءات ذات أجواء متسعة وخصائص إنشائية أساسية تستوعب أعداداً من الناس يغدون اليها طالباً للراحة وشرب بعض أكواب الشاي او القهوة المرة او سحب بعض الانفاس من دخان "الارجيلة". عن هذا الموضوع تصفحنا كتاب بغداد لمحمد مكية والذي وجدنا فيه الكثير من المعلومات الجميلة عن مقاهي بغداد . ومما جاء فيه : إن أول اشارة وردت عن وجود مقهى في بغداد جاءت في كتاب "كلشن خالفا" في عام 999هـ (1590)م. وقد كانت تدعى آنذاك قهوة جغالة زادة حيث اكد الباحث يعقوب سركيس في دراسته عن موقع هذا المبنى انه كان في موضع "خان الكمرك" الحالي، كما ذكره فيلس جونس في منتصف القرن التاسع عشر بهذا الاسم أيضاً .
ويعتقد الباحث يعقوب أنه أول مقهى بني في بغداد. وأضاف الباحث يعقوب سركيس في معرض حديثه عن المقاهي في بغداد وكما جاء في كتاب "بغداد" للاستاذ محمد مكية واصفاً مقهى حسن باشا فيقول عنه إنه يقع في جوار جامع الوزير في مدخل السوق المؤدي الى المستنصرية، وقد زاره الرحالة "تكسيرا" وجلس فيه في كانون الاول من عام 1604م ووصفه بقوله "ويستخدم في المقهى غلمان ملاح ملابسهم فاخرة لتقديم القهوة وقبض الدراهم، وهناك الموسيقى تعزف وغيرها من وسائل التسلية واللهو والتردد الى هذا الموضع في القيظ أكثر مايكون ليلاً ، أما في الشتاء فنهاراً وهذا المقهى قريب من "دجلة" وفيه نوافذ ورواقات تطل على النهر فتجعله متنزها لطيفاً جداً. نشأت المقاهي البغدادية من ملحقات الأسواق فهي ذلك الفضاء المسقوف ، تقع عادة في وسط سوق ، او على جانب طريق مزدحم بالناس والتجارة لا تختلف بناية المقهى عن الديوان ، الملحق ببيت من بيوت الوجهاء ، لكن ما يميزها عن الديوان اوالمرافق الأخرى ، من أماكن التجمع والاختلاط هو طراز حياتها الاجتماعي وعمران المقاهي في الماضي لا يختلف باختلاف الصفوف ،
هذا ماجاء ذكره في كتاب بغداد للمؤلف محمد مكية ، واضاف المؤلف أن هذه المقاهي صالحة الارتياد في الصيف والشتاء مع استعمال مستلزمات لكل فصل، من تدفئة وتبريد، وبالطرق القديمة. أما فصلا الربيع والخريف ، فإنهما متصلان في بغداد تقريباً بالفصلين الاساسيين كما ان مشروباتهما كالشاي والقهوة والماء والمشروبات الغازية،التي أدخلت مؤخراً لا زالت كما هي دون اي تغيير. إن المقاعد المستخدمة في المقاهي آنذاك مصنوعة من الخشب وتعرف بالتخوت. أما الشاي فكان يقدم بالأقداح التقليدية المعروفة (الاستكانات) بكامل عدتها مع الصحن والمعالق الدقيقة.
ويمتلك نادل المقهى مهارة فائقة في المناداة وتقديم أقداح الشاي، دون استخدام الطبق اوالصينية، فهو أي النادل يحمل عدة استكانات مع عدتها ويتحرك بها بحرية دون أن تنسكب قطرة واحدة من الشاي وفي أثناء توزيع الطلبات ينادي لتحضير طلبات أخرى .
يعد مهنة الجايجي من اكثر المهن اختلاطاً بالمجتمع، فهو يحفظ أسماء الزبائن، ويتعرف بسرعة على الزبون الجديد، ويحفظ طلباتهم المعتادة عن ظهر قلب ، يقدمها اليهم دون الحاجة الى مراجعتهم , يحضّر الشاي في زاوية بارزة من زوايا المقهى حيث تكتظ الزاوية عادة بالسماورات والقواري الفوارة ، منها المصنوعة من الالمنيوم (الفافون) وأخرى مصنوعة من الخزف الصيني . يمتاز شاي المقاهي البغدادية بجودة التحضير من خلال تحديد نسبة (الماء) الى نسبة كمية الشاي مع موازنة ذلك في فترة الغلي حتى تتم عملية التخدير، كما هو متعارف عليه بالعراق والى جانب الشاي وهو المشروب الرئيس في المقاهي البغدادية هناك القهوة حيث توزع باقداح خاصة تعرف بالفناجين , ومن المقاهي المشهورة في محلة صبابيغ الآل، مقهى سوق الدهانة ومقهى مجاور لجامع المصلوب، وهناك من المقاهي البغدادية العريقة نشطت الحياة الادبية فكانت مقصدا للمثقفين من كتاب وأدباء ومقاهي البنوك، فهي شبيهة بالمراكز التجارية والمعاملات البنكية تنجز فيها غالبية المعاملات البنكية وهنالك مقهى المعلكة يعد من اقدم المقاهي البغدادية وكان اسمه يحتل مكانا شاعريا على ضفة دجلة وموقعه كان قريباً من سوق البزازين والمقهى المتميز مقهى الكاظمية الذي يشغل بناية كبيرة محاطة من الداخل بالمرايا ومن مقاهي ضفة الكرخ أيضاً مقهى البيروتي القريب من سوق السمك المركزي لقد حظي هذا المقهى بتسجيل يومياته ورسمها من قبل الرحالة الأجانب , كان بناؤه من مادة الخشب وموقعه يطل على ضفة النهر وكانت واجهته النهرية تغلق شتاءا وتفتح صيفا.
وظلت المقاهي الى فترة قريبة محلا لتداول الحوار، ومكانا للتعلم اضافة الى أرائكها من الصباح حتى المساء وبشكل يومي ويمر بها بائعو الطعام والصحف، وكانت مقرا لوجود المختار او كاتب العرائض ومخلصي الأوراق الرسمية وتزايد عدد المقاهي ببغداد وعدا المقاهي التقليدية فكلما يشق شارع يقوم على رصيفه مقهى او أكثر، ولكن بأسلوب وعلاقات أخرى.