من الجنى البسيط إلى الإنتاج الوفير :
منذ بدء تاريخه أظهر الإنسان ذكاء فى عملية تجميع غذائه : الحيوانات الصغيرة، البيض، و أثمار الطبيعية. و عندما تعلم تربية الماشية و حراثة الأرض تحول الإنسان من جامع بسيط للغذاء إلى منتج، فنظم عمله للحصول على اللحم اللطرىء حسب الحاجة لا حسب صدف الصيد. وقد خزن القمح و الشعير لأوقات الشتاء و أمن الحليب و الخضرة و الثمار و غرس النباتات فى أخواض و أماكن قريبة من مسكنه، و بإختصار أستطاع تأمين كميات من الغذاء غنية و متنوعة. وهكذا أصبح بإمكان القبيلة أن تتكاثر و تنمو و تتنوع نشاطتها.
إختصاصيون جدد :
لاشك فى ان عدد الرعاة و المزارعين المتزايد ساهم فى تأمين الغذاء لعمال أنصرفوا إلى نشاطات أخرى كصنع المعدات الزراعية و إصلاحها، وبناء المساكن و ترميمها، وحياكة الأقمشة و غير ذلك. وقد توصل العمال بفضل الممارسة إلى أستنباط وسائل جديدة، و أختراع ما يساعد على تطوير الحياة كنشر الخشب و نحت الحجارة و العظام، كما تطور فى حياكة الصوف. لكن المجال الذى عرف تجديداً فعلياً هو صناعة الخزف.
من الطين إلى الفخار :
منذ زمن بعيد عمدت نساء الصيادين القدماء و الزراعين الأوائل إلى صنع أوعية ضخمة من الطين، تجف على أشعة الشمس. و لا شك فى أن سقوط قطعة من الطين فى الموقد صدفة جعل الناس يكتشفون أن الطين يصبح أصلب لدى تعرضه لحرارة النار، و أن المياه و النيران لا تسطيع بعد ذلك تذويبه، هذا الأكتشاف كان مهماً و أساسياً فى حقل صناعة الفخار.
وهكذا لم يعد الإنسان يكتفى بما تقدمه له الطبيعة من مواد بل راح يغير أشكالها مضيفاً إليها خصائص جديدة. وقد يكون ذلك دليل بداية تطور عقلى، توصل بعد زمن طويل إلى تحقيق الصناعة الحديثة.
المدن الأولى :
كان الصيادون القدماء موزعون جماعات صغيرة، ولم يكن ذلك التوزيع إرادياً بقدر ما كان قسرياً، ذلك أن المجموعات الصغيرة التى تضم رجالاً ذوى قوة و رشاقة تستطيع التحرك بسرعة فى عملية مطاردة الفريسة، و التأقلم فى أوساط متنوعة.
ولكن كل شئ بدأ يتغير مع الزراعة و تربية الماشية، و المجموعات التى كرست نفسها للرعاية حافظت على تقاليد حياة التنقل وعدم الأستقرار لأن القطعان الكبيرة لا تؤمن المراعى الكافية لذائها إذا ما أستقرت فى مكان واحد. أما المزارعون فقد تعلموا كيفية تأمين الخصب للأرض المستثمرة عن طريق تسميدها و حراثتها و ريها، كما أضطروا إلى تأمين سكن للبقاء قرب الأرض المزروعة، و هكذا تكونت القرية الصغيرة و هى نواة المدينة. و كان لابد فى مجتمع القرية من قوانين تنظيم حياة الناس و من وجود رجل يتمتع بكفاءات معينة ليدير شؤونهم.
بعد القرية كانت المدينة " فالثورة الزراعية " التى أوجدت القرية تبعتها " ثورة مدنية " نتجت عنها تغيرات مهمة. فمع المدينة نما الشعور بوحدة الشعب وولدت فكرة الأمة. من هنا أبتدأت تتكون الأسس الأوليه لدولة إذ أن الدولة بمفهومها الصحيح كانت ما تزال بعيدة المنال.