ان لزيارة الحسين حرارة في قلوب المؤمنين وهذا هو بركان الحب يتدفق من جميع المحافظات في عراق الحسين علية السلام
الثامنة: زيارة الاربعين: أي اليوم العشرين من صفر
( روى الشيخ في (التهذيب) و(المصباح) عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين (أي الفرائض اليوميّة وهى سبع عشرة ركعة والنوافل اليومية وهي أربع وثلاثون ركعة)، وزيارة الاربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقد رويت زيارته في هذا اليوم على نحوين:
أحدهما: مارواه الشيخ في التهذيب والمصباح عن صفوان الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الاربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: « السَّلامُ عَلى وَلِيِّ الله وَحَبِيبِهِ، السَّلامُ عَلى خَلِيلِ الله وَنَجِيبِهِ، السَّلامُ عَلى صَفِيِّ الله وَابْنِ صَفِيِّهِ، السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ المَظْلُومِ الشَّهِيدِ، السَّلامُ عَلى أَسِيرِ الكُرُباتِ وَقَتِيلِ العَبَراتِ، اللّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ وَلِيُّكَ وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ الفائِزُ بِكَرامَتِكَ أَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَهِ وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَهِ وَاجْتَبَيْتَهُ بِطِيبِ الوِلادَةِ وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السَّادَةِ وَقائِداً مِنَ القادَةِ وَذائِداً مِنَ الذَّادَةِ وَأَعْطَيْتَهُ مَوارِيثَ الأَنْبِياءِ وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِكَ مِنَ الأَوْصِياء، فَأَعْذَرَ فِي الدُّعاءِ وَمَنَحَ النُّصْحَ وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَهِ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا وَباعَ حَظَّهُ بِالاَرْذَلِ الاَدْنى وَشَرى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الاَوْكَسِ وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّى فِي هَواهُ وَأَسْخَطَكَ وَأَسْخَطَ نَبِيَّكَ وَأَطاعَ مِنْ عِبادِكَ أَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَحَمَلَةَ الاَوْزارِ المُسْتَوْجِبِينَ النَّار، فَجاهَدَهُمْ فِيكَ صابِراً مُحْتَسِباً حَتّى سُفِكَ فِي طاعَتِكَ دَمُهُ وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ ؛ اللّهُمَّ فَالعَنْهُمْ لَعْنا وَبِيلاً وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً أَلِيماً. السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ سَيِّدِ الأَوْصِياء، أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِينُ الله وَابْنُ أَمِينِهِ عِشْتَ سَعِيداً وَمَضَيْتَ حَمِيداً وَمُتَّ فَقِيداً مَظْلُوماً شَهِيداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ الله مُنْجِزٌ ما وَعَدَكَ وَمُهْلِكُ مَنْ خَذَلَكَ وَمُعَذِّبُ مَنْ قَتَلَكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ الله وَجاهَدْتَ فِي سَبِيلِهِ حَتّى أَتاكَ اليَّقِينُ، فَلَعَنَ الله مَنْ قَتَلَكَ وَلَعَنَ الله مَنْ ظَلَمَكَ وَلَعَنَ الله اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ، اللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي وَلِيُّ لِمَنْ وَالاهُ وَعَدُوُّ لِمَنْ عاداهُ. بِأَبِي أَنْتَ وَاُمِّي يابْنَ رَسُولِ الله أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الاَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالاَرْحامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجِّسْكَ الجاهِلِيَّةُ بِأَنْجاسِها وَلَمْ تُلْبِسْكَ المُدْلَهِمَّاتِ مِنْ ثِيابِها، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعائِمِ الدِّينِ وَأَرْكانَ المُسْلِمينَ وَمَعْقِلِ المُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الإمام البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِي المَهْدِيُّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ الأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوى وَأَعْلامِ الهُدى وَالعُرْوَةُ الوُثْقى وَالحُجَّةُ على أَهْلِ الدُّنْيا، وَأَشْهَدُ أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِإِيَّابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرايِعِ دِينِي وَخَواتِيمِ عَمَلِي وَقَلْبِي لِقَكْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْرِي لاَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يَأْذَنَ الله لَكُمْ ؛ فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، صَلَواتُ الله عَلَيْكُمْ وَعَلى أَرْواحِكُمْ وَأَجسادِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ >. ثم تصلى ركعتين وتدعو بما أحببت وترجع ».
الزيارة الآخِرى:
هي مايروى عن جابر وهي أنه روى عن عطاً قال: كنت مع جابر بن عبد الله الانصاري يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً ثم قال لي: أمعك شي من الطيب ياعطا ؟ قلت: سعد فجعل منه على رأسه وسائر جسده ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحُسَين (عليه السلام) وكبّر "ثلاثاً " ثم خر مغشياً عليه فلمّا أفاق سمعته يقول:، « السَّلامُ عَلَيْكُمْ ياآل اللهِ… » الخبر.
وهي بعينها ماذكرناه من زيارة النصف من رجب لَم يفترق عنها في شي سوى بضع كلمات ولعلّها من اختلاف النسخ كما احتمله الشيخ (رض) فمن أرادها فليقرأ زيارة النصف من رجب السالفة (ص741).
أقول: زيارة الحُسَين (عليه السلام) تزداد فضلاً في الاوقات الشريفة والليالي والأيام المباركة مما لم يخص بالذكر لا سيما فيما انتسب إليه من تلك الاوقات كيوم المباهلة ويوم نزول سورة هل أتى ويوم ميلاده الشريف وليالي الجمعة وغير ذلك من شريف الازمان. ويستفاد من بعض الروايات أن الله تعالى ينظر إلى الحُسَين (عليه السلام) في كل ليلة من ليالي الجمعة بعين الكرامة فيبعث إلى زيارته كل نبيّ أو وصي نبيّ.
وروى ابن قولويه عن الصادق (عليه السلام): أن من زار قبر الحُسَين (عليه السلام) في كل جمعة غفر الله له ولم يخرج من الدنيا حسراً وكان في الجنة مع الحُسَين (عليه السلام). وفي حديث الاعمش أنّه قال له بعض جيرانه: رأيت في المنام رقعاً تتساقط من السماء فيها أمان لمن زار الحُسَين (عليه السلام) ليلة الجمعة. وستأتي إشارة إلى هذا في أعمال الكاظمية عند ذكر قصّة الحاج علي البغدادي (ص806).
وروي أن الصادق (عليه السلام) سئل عن زيارة الحُسَين (عليه السلام) هل لها وقت أفضل من غيره ؟ قال: زوروه في كل زمان فإنّ زيارته خير مقرّر من أكثر منها كثر نصيبه من الخير. ومن أقلّ منها قلّ نصيبه منه، واجتهدوا في زيارته في الاوقات الشريفة ففيها يضاعف أجر الصالحات وتنزل فيها الملائكة من السماء لزيارته (عليه السلام)... الخبر.
ولَم نعثر على زيارة خاصة له (عليه السلام) تخص هذه الاوقات المذكورة، نعم قد خرج من الناحية المقدّسة في اليوم الثالث من شعبان وهو يوم ميلاده (عليه السلام) دعاء ينبغي قراءته، وقد مضى في خلال أعمال شهر شعبان.واعلم أيضاً أن لزيارته (عليه السلام) في غير كربلاء من البلاد البعيدة فضلاً كَثِيراً أيضاً ونحن نقتصر في ذلك على ذكر حديثين مرويين في (الكافي) و(الفقية) و(التهذيب).
الحديث الأول: روى ابن أبي عمير عن هشام عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعل أعلى منزله فيصلّي ركعتين وليومي بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصير إلينا.
الحديث الثاني: عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قال لي الصادق (عليه السلام): ياسدير تزور قبرالحُسَين (عليه السلام) في كل يوم ؟
قلت: جعلت فداك لا. قال: ماأجفاكم فتزوره في كل جمعة ؟ قلت: لا. قال: فتزوره في كل شهر ؟ قلت: لا.
قال: فتزوره في كل سنة ؟ قلت: قد يكون ذلك. قال: ياسدير ماأجفاكم بالحسين (عليه السلام) أما علمتم أنَّ للهِ ألفين من الملائكة، وفي رواية (التهذيب) و(الفقيه) ألف ألف ملك شعثاً غبراً يبكون ويزورون لايفترون ؟ وماعليك ياسدير أن تزور قبر الحُسَين (عليه السلام) في كل جمعة "خمس مرات" وفي كل يوم "مرة". قلت: جعلت فداك إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة.
فقال: تصعد فوق سطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم تتحول نحو قبر الحُسَين (عليه السلام) ثم تقول: « السَّلامُ عَلَيْكَ ياأَبا عَبْدِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ ». تكتب لك زوره، والزورة حجة وعمرة. قال سدير: فربما فعلته في الشهر أكثر من "عشرين مرة " وقد مضى في أوّل الزيارة المطلقة الأولى مايناسب المقام.
تذييل في فضل تربة الحُسَين (عليه السلام) المقدسة وآدابها
إعلم أن لنا روايات متظافرة تنطق بأن تربته (عليه السلام) شفاء من كل سقم وداء إِلاّ الموت وأمان من كل بلاء. وهي تورث الامن من كل خوف. والاحاديث في هذا الباب متواترة ومابرزت من تلك التربة المقدسة من المعجزات أكثر من أن تذكر وإني قد ذكرت في كتاب (الفوائد الرضوية) في تراجم العلماء الإمامية عند ترجمة السيد المحدّث المتبحر نعمة الله الجزائري أنه كان ممّن جهد لتحصيل العلم جهداً وتحمل في سبيله الشدائد والصعاب وكان فى أبّان طلبه العلم لايسعه الاسراج فقراً فيستفيد للمطالعة ليلاً من ضؤ القمر، وقد أكثر من المطالعة في ضؤ القمر ومن القراءة والكتابة حتى ضعف بصره فكان يكتحل بتربة الحُسَين (عليه السلام) المقدسة وبتراب المراقد الشريفة للأئمة في العراق (عليهم السلام) فيقوى بصره ببركتها. وإنّي قد حذرت هناك أيضاً أهالي عصرنا أن يعجبوا لهذه الحكاية أثر معاشرتهم الكفّار والملاحدة. فقد قال الدميري في (حياة الحيوان) أنّ الافعى إذا عاش مائة سنة عميت عينه فيلهمه الله تعالى أن يمسحها بالرازيانج الرطب لكي يعود إليها بصرها فيقبل من الصحراء نحو البساتين ومنابت الرازيانج وإن طالت المسافة حتّى يهتدي إلى ذلك النبات فيمسح بها عينه فيرجع إليها بصرها.
ويروى ذلك عن الزمخشري وغيره أيضاً فإذا كان الله تعالى قد جعل مثل هذه الفائدة في نبات رطب وتهتدي إليه حيّة عمياء فتأخذ نصيبها منه فأيّ استبعاد واستعجاب في أن يجعل في تربة ابن نبيه صلوات الله عليه الذي استشهد هو وعترته في سبيله شفاءً من كل داء وغير ذلك من الفوائد والبركات لينتفع بها الشيعة والاحباب ! ونحن في المقام نقنع بذكر عدّة روايات:
الأولى: رُوي أن الحور العين إذا ابصرن بواحد من الاملاك يهبط إلى الارض لامر ما يستهدين منه السبح والتربة من طين قبر الحُسَين (عليه السلام).
الثانية: روي بسند معتبر عن رجل قال: بعث إليّ الرضا (عليه السلام) من خراسان رزم ثياب وكان بين ذلك طين فقلت للرسول ماهذا ؟ قال هذا طين قبر الحُسَين (عليه السلام) ماكان يوجّه شَيْئاً من الثياب ولاغيره إِلاّ ويجعل فيه الطين فكان يقول: هو أمان بإذن الله.
الثالثة: عن عبد الله بن أبي يعقوب قال: قلت للصادق (عليه السلام) يأخذ الإنْسان من طين قبر الحُسَين (عليه السلام) فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع به.
فقال: لا والله ماياخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إِلاّ نفعه الله به.
الرابعة: عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت للصادق (عليه السلام) إنّي رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحُسَين (عليه السلام) يستشفون به هل في ذلك شي مما يقولون من الشفاء ؟ قال يُستشفى بما بينه وبين القبر على راس أربعة أميال وكذا طين قبر جدّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكذا طين قبر الحسن وعليّ ومحمد فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم وجُنّة مما تخاف ولايعدلها شي من الاشياء التي يستشفى بها إِلاّ الدعاء وإنّما يفسدها مايخالطها من أوعيتها وقلّة اليقين ممن يعالج بها، فأما من أيقن أنّها له شفاء إذا يعالج بها كفته بإذن الله تعالى من غيرها ممّا يتعالج به، ويفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسحون بها وما تمر بشي إِلاّ شمّها.
وأما الشياطين وكفّار الجن فإنهم يحسدون ابن آدم عليها فيمسحون بها فيذهب عامّة طيبها ولايخرج الطين من الحائر إِلاّ وقد استعدّ له مالا يحصى منهم والله إنها لفي يدي صاحبها وهم يتمسحون بها ولايقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر ولو كان من التربة شي يسلم ماعولج به أحد إِلاّ بري من ساعته.
فإذا أخذتها فاكتمها وأكثر عليها ذكر الله عزَّ وجلَّ وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شَيْئاً يستخف به حتى إن بعضهم ليطرحها في مخلاة الابل والبغل والحمار أو في وعاء الطعام ومايمسح به الايدي من الطعام والخرج والجوالق، فكيف يستشفي به من هذا حالها عنده ؟ ولكن القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عمله.
الخامسة: روي أنّه إذا تناول التربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه وقدره مثل الحمّصة فليقبّلها وليضعها على عينه وليمرَّها على سائر جسده وليقل: «اللّهُمَّ بِحَقِّ هذِهِ التُّرْبَهِ وَبِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِها وَثَوى فِيها وَبِحَقِّ جَدِّهِ وَأَبِيهِ وَاُمِّهِ وَأَخِيهِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَبِحَقِّ المَلائِكَةِ الحافِّينَ بِهِ إِلاّ جَعَلْتَها شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ وَبُرْا مِنْ كِلِّ مَرَضٍ وَنَجاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَحِرْزاً مِمّا أَخافُ وَأَحْذَرُ ». ثم ليستعملها.وروي أن الختم على طين قبر الحُسَين (عليه السلام) أن يقرأ عليه سورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر. وروي أيضاً أنك تقول إذا طعمت شَيْئاً من التربة أو أطعمته أحداً:
« بِسْمِ الله وَبِالله اللّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً وَاسِعاً وَعِلْماً نافِعاً وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ» .
أقول: لتربته الشريفة فوائد جمة منها: استحباب جعلها مع الميت في اللحد واستحباب كتابة الاكفان بها واستحباب السجود عليها. فقد روي أن السجود عليها يخرق الحجب السبعة (أي يورث قبول الصلاة عند ارتقائها السماوات)، واستحباب أن يصنع منها السبحة فتستعمل للذِّكر أو تترك في اليد من دون ذكر فلذلك فضل عظيم، ومن ذلك الفضل أن السبحة تسبّح في يد صاحبها من غير أن يسبّح.
ومن المعلوم أنّ هذا التسبيح بمعنى خاص غير التسبيح الذي يسبّحة كل شي كما قال تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيٍْ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم».
وبالاجمال فالتسبيح الوارد في هذه الرواية هو تسبيح خاص بتربة سيد الشهداء أرواحنا له الفداء.
السادسة: عن الرضا (عليه السلام) من أدار السبحة من تربة الحُسَين (عليه السلام) فقال: «سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ ». مع كل حبّة منها كتب الله له بها ستّة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة وأثبت له من الشفاعة مثلها.
وعن الصادق (عليه السلام): إنّ من أدار الحصيات التي تعمل من تربة الحُسَين (عليه السلام) أي السبحة من الخزف، فاستغفر بها "مرة واحدة " كتب له سبعون مرّة، وإن أمسك سبحة في يده ولَم يسبّح كتب له بكل حبة "سبعاً "،
السابعة: في الحديث المعتبر أنّ الصادق صلوات الله عليه لما قدم العراق أتاه قوم فسألوه: عرفنا أنّ تربة الحُسَين (عليه السلام) شفاء من كل داء، فهل هي أمان أيضاً من كل خوف ؟ قال: بلى من أراد أن تكون التربة أمانا له من كل خوف فليأخذ السبحة منها بيده ويقول ثلاثاً:
« أَصْبَحْتُ اللّهُمَّ مُعْتَصِما بِذِمامِكَ وَجِوارِكَ المَنِيعِ الَّذِي لايُطاوَلُ وَلا يُحاوَلُ مِنْ شَرِّ كُلِّ غاشِمٍ وَطارِقٍ مِنْ سائِرِ خَلْقِكَ وَماخَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ وَالصَّامِتِ وَالنَّاطِقِ فِي جُنَّةٍ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ بِلِباسٍ سابِغَةٍ حَصِينَةٍ، وَهِيَ وَلاُ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مُحْتَجِزاً مِنْ كُلِّ قاصِدٍ لِي إِلى أَذِيَّةٍ بِجِدارٍ حَصِينِ الاِخْلاصِ فِي الاِعْتِرافِ بِحَقِّهِمْ وَالتَّمسُّكِ بِحَبْلِهِمْ جَميعاً، مُوِقنا أَنَّ الحَقَّ لَهُمْ وَمَعَهُمْ وَمِنْهُمْ وَفِيهِمْ وَبِهِمْ، أُوالِي مَنْ وَالوا وَأُعادِي مَنْ عادَوا وَأُجانِبُ مَنْ جانَبُوا فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعِذْنِي اللّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ماأَتَّقِيهِ، ياعَظِيُم حَجَزْت الأعادِي عَنِّي بِبِدِيعِ السَّماواتِ وَالاَرْضِ إِنّا جَعَلْنا مِنْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ سَداً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداً فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ ».ثم يقبل السبحة ويمسح بها عينيه ويقول:
« اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ التُّرْبَةِ المُبارَكَةِ وَبِحَقِّ صاحِبِها وَبِحَقِّ جَدِّهِ وَبِحَقِّ أَبِيهِ وَبِحَقِّ اُمِّهِ وَبِحَقِّ أَخِيهِ وَبِحَقِّ وُلْدِهِ الطَّاهِرِينَ اجْعَلْها شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ وَأَمانا مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَحِفْظا مِنْ كُلِّ سُوءٍ» .ثم يجعلها على جبينه فإن عمل ذلك صباحا كان في أمان الله تعالى حتى يمسي، وإن عمله مساء كان في أمان الله تعالى حتى يصبح وروي في حديث آخر أنّ من خاف من سلطان أو غيره فليصنع مثل ذلك حين يخرج من منزله ليكون ذلك حرزاً له.
أقول: لايجوز مطلقاً على المشهور بين العلماء أكل شي من التراب أو الطين إِلاّ تربة الحُسَين (عليه السلام) المقدسة استشفاء من دون قصد الالتذاذ بها بقدر الحمصة والاحوط أن لايزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: < اللّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً وَاسِعاً وَعِلْماً نافِعاً وَشِفاءاً مِنْ كُلِّ داءٍ وَسُقْمٍ >.قال العلامة المجلسي: الاحوط ترك التبايع على السبحة من التربة أو ما يصنع منها للسجدة بل تهدى إهدأً ولعلّه مما لابأس به أن يتراضى عليها المتعاملان تراضيا دون اشتراط سابق. ففي الحديث المعتبر عن الصادق (عليه السلام) قال: من باع تراب قبر الحُسَين (عليه السلام) فكأنّما تبايع على لحمه (عليه السلام).أقول: حكى شيخنا المحدّث المتبحر ثقة الإسلام النوري (رض) في كتاب (دار السَّلام) قال: دخل بعض إخواني على والدتي رحمها الله فرأت في جيبه الذي في أسفل قبائه تربة مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) فزجرته وقالت هذا من سوء الادب ولعلها تقع تحت فخذك فتنكسر، فقال: نعم انكسرت منها إلى الان اثنتان وعهد أن لايضعها بعد ذلك فيه ولما مضى بعض الأيام رأى والدي العلامة رفع الله مقامه في المنام، ولَم يكن له اطّلاع بذلك، أن مولانا أبا عبد الله (عليه السلام) دخل عليه زائراً وقعد في بيت كتبه الذي كان يقعد فيه غالباً فلاطفه كَثِيراً وقال ادع بنيك يأتوا إليّ لاكرمهم، فدعاهم وكانوا خمسة معي فوقفوا قدّامه (عليه السلام) عند الباب وكان بين يديه أشياء من الثوب وغيره، فكان يدعو واحداً بعد واحد ويعطيه شَيْئاً منه، فلما وصلت النوبة إلى الاخ المزبور سلمه الله نظر إليه شبه المغضب والتفت إلى الوالد قدس وقال: ابنك هذا قد كسر تربتين من تراب قبري تحت فخذه، ثم طرح إليه شَيْئاً ولَم يدعه إليه. وببالي أن ماأعطاه كان بيت المشط الذي يعمل من الثوب الذي يقال له بالفارسية ترمه فانتبه وقص مارآه على الوالدة رحمها الله فأخبرته بما وقع فتعجّب من صدقه، انتهى.
)