الشاعر الأندلسي ....... ابن خفاجه
وأرعنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ
يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ
يَسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ
ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكب ِ
هو ابراهيم بن ابي الفتح بن عبد الله بن خفاجه الهوراي الأندلسي
ابو إسحاق من إعلام الشعراء
لقب صنوبري الأندلس وأطلق عليه شاعر الطبيعة ،
ولد ٤٥٠- ٥٣٣ هجريه
١٠٥٨م- ١١٣٨م
ولد سنة ٤٥٠ هـ في بلدة (شقر) القريبة من بلنسية في شرق الأندلس
وهي بلدة جميلة يحيط بها نهر (شقر) من أكثر جهاتها
ويعدها ياقوت انزه بلاد الله وأكثرها ماء وروضاً وشجراً
ومن هنا كان لبيئته اثر بارز في جنوح شعره إلى وصف الطبيعة .
بدأَ ابنُ خفاجةَ حياتَه مُحِبّاً للطربِ، واللهوِ، والمَلذّاتِ؛
فقد كانَ من عائلةٍ ثريّةٍ مَنَحته حُرّيتَه، وما يحتاجُه كلّه
، كما عاشَ في أجملِ مناطقِ الأندلسِ،
وتأمَّل في طبيعتِها، ومناظرِها الخلّابة، ولم يجِد في وصفِ جمالِها إلّا أن يُعبِّرَ، ويُصوّرَ ما يراهُ في شِعرِه؛
فكانَ جمالُ الطبيعة هو ما أثارَ مداركَه الشعريّةَ، وما إن بلغَ ابنُ خفاجةَ الستّين من عُمرِه حتى استفاقَ من غفلتِه،
وأدركَ أنّ الحياةَ فانيةٌ، وأنّه لا بُدَّ له من أن يُغيّرَ مجرى حياتِه، ويبتعدَ عن مواطنِ الهوى، والمَلذّاتِ
؛ فأخذَ يقتدي بالشاعرِ ابنِ أُذينةَ، ويسيرُ على نَهجِه،
وعكفَ على العبادةِ، وكتابةِ الشِّعر إلى أن تُوفِّيَ في السادسِ والعشرين من شهرِ شوّال من عامِ خمسمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين للهجرة، عن عُمرٍ يُناهزُ اثنين وثمانين عاماً.
يمتاز أسلوب ابن خفاجة الشعري
بالجودة والتمكن من اللغة .
وأن تعدد الصور في البيت الواحد دليل على أبداعه وجودة نظمه.
فكان رقيق الشعر أنيق الالفاظ
وقد تناول في شعره معظم الأغراض الشعرية المألوفة كالمدح والوصف لاسيما وصف الطبيعة والفخر والرثاء والغزل والبطولات والوطنية والعتاب والاعتبار والشوق والحنين ,
وقد انفرد ابن خفاجة في شعره بالوصف والتصرف به , فشغف بالطبيعة ,
وكان ملتزما في معظم أبياته الشعرية باستعمال الألفاظ الدالّة على الألوان.
ممّا جعل تسميته مبدعا لنوع خاصّ من شعر الوصف باسم (اللونيّات)،
صفات الشاعر ابن خفاجه :
١- كان يملك عزة نفس تجعله لا يمتدح من أجل العطاء من الملوك.
٢- وكان يخاطب الطبيعة ويتحدث للطبيعة كأنها شخص.
٣- ويتميز شعره بالغموض و يكون صعب المعاني.
٤- كما انه كتب النثر وكان يلتزم فيه بالمحسنات اللفظية.
٥- ويتبع أسلوب الهمذاني وابن العميد، وقد لقبه النقاد بشاعر الطبيعة، نظرا لتفاعله معها، فكان يتقاسم مشاعره مع الطبيعة ومع همومها.
٦- وكان يستعين بالألفاظ في خدمة الأغراض الشعرية، حيث كان يسلط جميع حواسه ناحية الطبيعة، فكان مختلفا عن غيره من الشعرا.
٧- وكان يضيف للطبيعة حواس مثل السمع والفرح فهي تبكي وتضحك مثل الإنسان .
الطبيعة في شعر ابن خفاجة :
وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها
ريحٌ تلفّ فروعـها معـطار.
عاطـى بها الصهباءَ احوى وصف
أحورٌسَحّابُ أذيال السّـُرى سحّار.
والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ
والجذعُ زَندٌ والخـليج سوار.
بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها
وتطـلعت شَنَبا بها الأنـوار.
رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى
وشـدا الحمامُ وصَفَّق التيار.
غنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي
والتـفّ في جَنباتها النـوّارُ.
فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ
من كل غُصـنٍ صَفحةٌ وعِذارُ.
لمحة عن القصيد وصف جبل
و غلبت على القصيدة كتب أبياتها في عاطفة الشاعر و هي عاطفة صادقة صادرة عن تجربة نفسية عاشها في حياته و قد بلغ الشاعر قمة الذروة في استخدام الخيال الواسع لوصف الجبل
كما أن القصيدة تعدُّ احدى أبرز عيون الشعر العربي لـما يتخللها من أصالة الفكرة ،وجمال الأسلوب ،
كما اتضحت روعة التصوير و شفافيته . و من الواضح كذلك ان ألفاظ القصيدة مناسبة جدا لمعانيها فهي تعتبر ألفاظ قوية في الحديث.
و من أبرز السمات الظاهر ة في النص سمة التشخيص ؛
وهي تقوم على إقامة الحياة على الأمور المادية أوعلى الجمادات و القيام بعد ذلك بتجسيمها و مخاطبتها كأنها كائن حي،
و هذه السمة انتشرت بكثرة في الشعر الأندلسي منذ القدم و قد قام شاعرنا ابن خفاجة باستخدام هذه السمة بكثرة .
قصيدة الجبل
بـعيشك هـل تدري أهوج الجانب
تـخب بـرحلى أم ظـهور النجائب
فـما لحت في أولى المشارق iiكوكباً
فـأشرق حتى جئت اخرى iiالمغارب
ولاأنـس إلا أن أضـاحك iiسـاعة
ثـغور الأمـاني في وجوه iiالمطالب
ولـيل إذا مـاقلت قـد باد iiفانقضى
تـكشف عـن وعدٍ من الظن كاذب
سـحبت الـدياجي فيه سود iiذوائبٍ
لأعـتنق الآمـال بـيض iiتـرائب
فمزقت جيب الليل عن شخص أطلس
تـطلع وضـاح الـمضاحك iiقاطب
رأيـت بـه قطعاً من الفجر أغبشاً
تـأمـل عـن نـجم تـوقِّدَ iiثـاقب
وأرعــن طـماح الـذؤابة بـاذخ
يـطاول أعـنان الـسماء iiبـغارب
يـسد مـهب الـريح عن كل iiوجهه
ويـزحـم لـيلاً شُـهبه iiبـالمناكب
وقـور عـلى ضـهر الـفلاة iiكأنه
طـوال الـيالي مـفكر في iiالعواقب
يـلوث عـليه الـغيم سـود غمائم
لـها من وميض البرق حمر iiذوائب
أصـخت إلـيه وهو أخرس iiصامت
فـحدثني لـيل الـسرى بالعجائب
وقـال الأكـم كـنت مـلجأ iiقـاتلٍ
ومـوطـن أواه تـبـتل iiتـائـب
وكـم مـر بـي من مدلج iiومؤوب
وقـال بـظلّلي مـن مطيٍّ iiوراكب
ولاطـم مـن نكب الرياح iiمعاطفي
وزاحـم من خضر البحار iiغواربي
فـما كـان إلا أن طوتهم يد iiالردى
وطـارت بهم ريح الندى iiوالنوائب
فـما خـفق إيكى غير رجفة iiأضلع
ولا نـوح رقـى غير صرخة iiنادب
ومـا غـيض السلوان دمعي iiوإنما
نـزفت دموعي في فراق iiالصواحب
حتى متى أبقى أبقى ويظعن صاحب
أودع مـنـه راحـل غـير آيـب
وحـتى متى أرعى الكواكب iiساحراً
فـمن طـالع أخرى اليالي iiوغارب
فـرحماك يـامولاي دعوة iiضارع
يـمد إلـى نـعماك راحـة iiراغب
فـأسمعني مـن وعـظة كل iiعبرة
يـترجمها عـنه لـسان iiالـتجارب
فـسلي بـما غابكى وسرى بما iiشجا
وكان على عهد السرى خير iiصاحب
وقـلـت وقــد نـكّـبت لـطيةٍ:
سـلام فـإنا مـن مـقيم iiوذاهب
, أن في الأندلس البيئة مختلفة,
وحيث ظهر الشاعر كم كانت له علاقة خاصة بالطبيعة,
إذ له قصيدة خاصة بالقمر الإحساس بجماله,
وفيها يقول :
لقد أَصختُ إلى نَجواك من قَمَرِ
وبِتُّ أُدلِجُ بين الوَعْيِ والنَّظرِ
لا أجتلي لُمَحاً حتى أعي مُلَحاً,
عَدْلاً من الحكم بين السمع والبصر
وقد مَلأَتَ سوادَ العين من وَضَحٍ ;
فقَرِّطِ السَمْعَ قُرْطَ الأُنسِ من سَمَرِ
فلو جمعتَ إلى حسنٍ مُحاورةً ,
حُزْتَ الجَمالَين:من خَبْرٍ,ومن خَبَرِ
وإِن صَمَتَّ, ففي مرآك لي عِظةٌ ,
قد أفصحت لي عنها أَلسُنُ العِبَرِ
تَمُرُّ من ناقصٍ حَوْراً , ومكتملٍ
كَوْراً, ومن مرتقٍ طوراً ومنحدرِ
والناس من مُعرضٍ يَلهى, وملتفتٍ
يرعى, ومن ذاهلٍ ينسى, ومدَّكِرِ
تلهو بساحاتِ أقوامٍ تُحدِّثُنا ,
وقد مَضَوا فقَضَوا: أَنَّا على الأثَرِ
فإِنْ بكيتُ, وقد يبكي الجَليدُ, فعن
شَجوٍ يُفجّر عينَ الماء في الحَجَرِ
يرى ابن خفاجة أن المشِيبَ رُزْءٌ، كاشفًا عن تحسُّره على ما مضى وانقضى مِن عصر الشباب والصِّبا،
ويبدو أن هذا كان في أول عهدِه بالمشِيب.
يقول لأول شيبة طلعتْ في عِذَارِهِ، فأفصحتْ بوعظِه وإنذاره:
أَرِقْتُ على الصِّبا لِطُلُوع نَجْمٍ
أُسَمِّيه مُسَامحةً مَشِيبَا
كفاني رُزْءُ نَفْسٍ أن تَبَدَّى
وأعظَمُ منه رُزْءًا أَنْ يغِيبا
ولولا أَنْ يَشُقَّ عَلَى المَعَالي
للاقيتُ الفتاةَ بهِ خَضِيبَا
فلم أَعْدمْ هُناك به شَفيعًا
إلى أَمَلٍ ولم أبْرحْ حبيبا
غريبةُ شَيْبِ فَوْدٍ إنْ تَمادَتْ
حياتي آلَ أَسْوَدُهُ غَريبا
شَنِئْتْ لِمُجْتَلاها النَّوْر حَتَّى
شَنِئْتُ لمُجْتَلى النَّوْرِ القَضِيبا
وعِفْتُ كراهةً للشيْب شيئًا
يَكُوُن له شَبِيهًا أَو نَسِيبا
وأيَّةُ شَيْبةٍ إلَّا نَذيرٌ
فَهَلْ طَرَبٌ وَقَدْ مَثُلَتْ خَطِيبا
ونُؤْتُ بحَمْلها مِن عِبْءِ خَطْبٍ
كأنِّي قَدْ حَمَلْتُ بها عَسِيبا
ومِلْتُ على الشَّبابِ عن التَّصَابي
وكيفَ به وَقَدْ طَلَعتْ رَقِيبا
وقلتُ: الشيبُ للفتيانِ عَيْبٌ
كَفَى الأحداثَ شَيْنًا، أنْ تَشِيبا
فلا تَطْمَحْ إلى فَوْدِي، غُلَامًا
غريرًا واغْشَنِي كَهْلًا أَرِيبا
فأحْسنُ مِن حَمَام الشَّيْبِ غَنَّى
غُرَابُ شَبِيبةٍ أَلِفَ النَّعِيبا
يَطِيبُ بنفْسِه عند الغَوَاني
فيُغْنِي عن فَتِيتِ المِسْكِ طِيبا
وتَرْعَى منه عينُ الظَّبْيِ شُهْبًا
لها يَسْتَأْلِفً الظبيُّ الرَّبِيبا
٥
مُؤلَّفات ابن خفاجة
وضعَ ابنُ خفاجةَ العديدَ من القصائدِ الشعريّةِ في ديوانِه،
ولعلَّ إحداها فاقتِ البقيّةَ شُهرةً، ألا وهي قصيدةُ (وصف الجبلِ)
التي جسَّد في أبياتها جَبلاً بصفةٍ بشريّةٍ يتحدّثُ عن بأسِه من طولِ بقائِه،
وأنّه يتمنّى أن يموتَ،
وصَوَّر نفسَه يتمنّى عكسَ ما يتمنّاه الجبلُ؛
فكان يتمنَّى البقاءَ، والخلودَ، ويخشى الموتَ، والفناءَ، ويُنهي المُقارنةَ بأنّه لا خلاصَ للأُمنيتَين.
تُوفِّيَ في السادسِ والعشرين من شهرِ شوّال من عامِ خمسمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين للهجرة، عن عُمرٍ يُناهزُ اثنين وثمانين عاماً.