الموطن الأصلي للخوارزميين هو إقليم خوارزم الذي في شرق الدولة الإسلامية، وحدوده من الغرب والشمال بلاد الترك، ومن الشرق بلاد ما وراء النهر ومن الجنوب خراسان، وكان هذا الإقليم من ولايات الاتحاد السوفيتي وهو الآن موزع بين الجمهوريتين الإسلاميتين أوزبكستان وتركستان.
دخل إقليم خوارزم تحت الحكم الإسلامي على يد قتيبة بن مسلم الباهلي في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وقد ظل هذا الإقليم تابع للخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية، وبعد أحداث متوالية وقع حكمه تحت يد الدولة الطاهرية ثم الدولة الصفارية، ثم سيطرت عليه بعد ذلك الدولة السامانية ومن بعدها الدولة الغزنوية، ثم أصبح تحت سيطرة السلاجقة منذ عام 432هـ= 1041م.

وفي عهد السلاجقة برز في الحياة السياسية عبد تركي يُدعى أنوشتكين كان يشغل وظيفة ساقي للسلطان السلجوقي ملكشاه، وبسبب مهارته وأمانته ترقى في المناصب حتى تم تعيينه واليًا على خوارزم في عام 471هـ= 1077م، وظل أنوشتكين هذا في منصبه حتى وفاته سنة 490هـ= 1097م، وخلفه على ولاية خوارزم ابنه قطب الدين محمد الذي أقره السلطان السلجوقي في منصب والده وأطلق عليه لقب خوارزم شاه، أي ملك خوارزم، ولذلك يمكن اعتبار أنوشتكين وابنه قطب الدين محمد خوارزم شاه المؤسسان للدولة الخوارزمية، كما يمكن اعتبار سنة 490هـ= 1097م سنة تأسيس الدولة الخوارزمية (490هـ= 1097م/ 628هـ= 1231م).

سعى قطب الدين محمد إلى توطيد حكمه في خوارزم وبقي تابعًا مخلصًا للسلاجقة لا يخرج على طاعتهم حتى مماته في سنة 521هـ= 1126م، وبعده خلفه في الحكم على خوارزم ابنه علاء الدين اتسز بأمر من السلطان السلجوقي، وظهرت منه الكفاية والشهامة ولكنه رغب في الاستقلال عن الدولة السلجوقية، على أن القدر حال بينه وبين تحقيق غايته، حيث توفي سنة 551هـ= 1156م.

بعد وفاة علاء الدين اتسز تولى الحكم بعده ابنه إيل أرسلان، وشاءت الظروف أن ينشغل سلاطين السلاجقة بالنزاعات والصراعات على الحكم والسلطنة مما أدى على ضعف دولتهم، فلم يجد الخوارزميون منافسًا قويًا يقف أمامهم ويعوق توسعهم، وتمكن إيل أرسلان بالفعل من السيطرة على بعض بلاد خراسان وما وراء النهر، غير أنه مات في سنة 568هـ= 1172م، تاركًا النزاع على الحكم بين ولديه السلطان شاه محمود، وعلاء الدين تكش الذي استطاع في النهاية الاستيلاء على الحكم، أما محمود شاه فلم يمهله العمر طويلاً ومات في سنة 589هـ= 1192م.

عزم علاء الدين تكش على توسعة الدولة الخوارزمية، واستغل انقسام السلاجقة وضعفهم واستطاع أن يهزم آخر السلاطين السلاجقة في العراق سنة 590هـ= 1194م، واستولى على كل ما كان يملكه السلاجقة من مدن وقرى وقلاع، وقد منح هذه البلاد والأقاليم لاتباعه يحكموها باسمه ثم عاد إلى خوارزم وقضى البقية الباقية من عمره في توطيد نفوذه في البلاد التي استولى عليها، حتى توفي في سنة 596هـ= 1200م.

بعد وفاة علاء الدين تكش جاء إلى حكم الدولة الخوارزمية ابنه علاء الدين المعروف بمحمد خوارزم شاه، وقامت سياسته على توسيع رقعة دولته وحمايتها، ومن ثم قامت بينه وبين جيرانه نزاعات وصراعات، حيث دخل في صراع مستمر مع خصمين عنيدين هما الدولة الغورية ودولة الخطا، وبعد أحداث دامية مليئة بالمعارك والاقتتال والمؤامرات والدسائس استطاع محمد خوارزم أن يهزم الدولة الغورية ويبسط سيطرته عليها، كما استولى على ممتلكات دولة الخطا وتمكن من ازالتها سنة 612هـ= 1215م.

بعد ذلك تطلع محمد خوارزم شاه إلى السيطرة على بغداد عاصمة الخلافة العباسية، لاسيما بعد ما حصل على رسائل تبين تورط الخليفة العباسي الناصر لدين الله في مؤامرة ضده، فقصد بغداد بجيش كبير سنة 614هـ= 1217م، ولكن وهو في الطريق هبّت على جيشه عواصف ثلجية أهلكت الكثير من رجاله ودوابه فاضطر إلى العودة إلى بلاده مع البقية الباقية من جيشه.

بلغت الدولة الخوارزمية أقصى اتساع لها في عهد محمد خوارزم شاه، وأصبحت في احتكاك مباشر مع حدود دولة جنكيز خان زعيم المغول ( التتار)، وكان هناك شبه اتفاق على حسن الجوار بين محمد خوارزم شاه وبين جنكيزخان، وبناءً على ذلك ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة أترار التابعة للدولة الخوارزمية من أجل التجارة، ولكن لما رآهم حاكم المدينة أمسك بهم وقتلهم.

وصل نبأ هذه الحادثة إلى جنكيز خان، فغضب غضبًا شديدًا لما لحق برعاياه، وأرسل رسالة إلى محمد خوارزم شاه يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم، ولكن محمد خوارزم شاه اعتبر ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة، وأرسل له قائلًا: إنه سيحاكمهم بنفسه، ولكن لم يقتنع جنكيزخان برسالة محمد بن خوارزم شاه، ومن هنا عوَّل على الانتقام وبدأ في تجهيز جيشه للثأر من خوارزم شاه، ومن هنا بدأ الإعصار التتري الرهيب يدك الدولة الخوارزمية.

اتصفت حروب المغول بأشياء خاصة جدًا مثل: أعداد هائلة من البشر، وسرعة انتشار رهيبة، ونظام محكم وترتيب عظيم، وتحَّمل ظروف قاسية، وقيادة عسكرية بارعة، وأنهم بلا قلب حيث كانت حروبهم مع من يخالفهم حروب تخريبية غير طبيعية لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب، وسرعان ما اتسعت مملكتهم حتى بلغت حدودها مبلغًا عظيمًا في سنوات معدودة.

جاء جنكيزخان بجيشه الكبير في أولى غزواته التترية على البلاد الخوارزمية في عام 616هـ، فكان انتقامه شديدًا وثأره فادح الثمن، وخرج له محمد خوارزم شاه، والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام، وقُتل من الفريقين خلق كثير غير أن محمد خوارزم شاه بسبب أعداد المغول الهائلة اضطر للانسحاب وذهب ليحصن مدنه الكبرى، وبدوره جهز جنكيزخان جيشه من جديد، ووصل بجنوده إلى مدينة بخارى فدمروها وأهلكوا أهلها، وحرقوا ديارها ومساجدها ومدارسها، ثم انتقلوا إلى مدينة سمرقند المجاورة وفعلوا بها مثلما فعلوا في بخارى، حيث قتلوا أعدادًا لا تحصى من الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا كل ثروات البلد، وانتهكوا حرمات النساء.

استقر جنكيزخان في سمرقند، وأرسل عشرين ألف فارس من جنده لمطاردة محمد خوارزم شاه الذي كان يستقر في مدينة أورجندة عاصمة دولته، ووصل جنود التتار إلى محمد خوارزم شاه وحاصروه ولكنه نجح في الهروب إلى مدينة نيسابور ومنها واصل هروبه من مدينة إلى أخرى حتى وصل إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، وأقام بها يعاني المرض واليأس والإحباط ويتعجل الموت حتى توفي سنة 617هـ= 1220م.

عادت الفرقة التترية بعد مطاردة محمد خوارزم شاه، وبدأت في عام 617هـ في اجتياح أقاليم ومدن الدولة الخوارزمية، فاجتاحت أذربيجان وخراسان وخوارزم وبلخ ومرو ونيسابور وهراة والري فقتلوا وعذبوا وسبوا ونهبوا وأحرقوا البلاد والعباد، ثم فعلوا مثل ذلك في كل المدن والقرى المحيطة وأعملوا فيها القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب والحرق، وكما قيل: إنه لم تمر على البشرية منذ خلق آدم ما يشبه هذه الأفعال من قريب ولا بعيد، بل كان هذا من أعجب الأمور التي مرت بالأرض على الإطلاق.

كان محمد خوارزم شاه قد أوصى بولاية الحكم من بعده لابنه جلال الدين منكبرتي، فتولى جلال الدين السلطنة بعد أن سقطت معظم أراضي الدولة الخوارزمية في أيدي المغول، وفقدت أهم مدنها وممتلكاتها وجيشها وثرواتها، ومع ذلك بذل جلال الدين كل ما في استطاعته لا استرداد ملكه، فجمع جيشًا والتقى مع قوات التتار في معركة رهيبة في مدينة غَزنة انتصر فيها جلال الدين وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، ثم اشتد القتال بينهما مرة أخرى في معركة كابول التي كانت أشد ضراوة وثبت فيها الجنود الخوارزمية وحققوا نصرًا غاليًا للمرة الثانية على التتار وأخذوا غنائم كثيرة.

كان لهذين النصرين أثر كبير في رفع الروح المعنوية للمسلمين الذين عانوا كثيرًا من هزائم المغول، ولكن عساكر الجيش الخوارزمي لم يستغلوا النصر الذي حققوه واختلفوا في تقسيم الغنيمة، ولم يستطع جلال الدين تسوية الخلافات وإنهاء النزاع، الأمر الذي أدى إلى ضعف الجيش الخوارزمي وأخذ القائد جلال الدين يهرب من أمام جنكيز خان، ولكن جنكيز خان حاصره عند نهر السند ودارت بينهما موقعة رهيبة لدرجة أن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال، وبينما هم في هدنة من القتال قفز جلال الدين إلى سفينة في نهر السند هاربًا إلى بلاد الهند.

بعد هروب جلال الدين انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها جام غضبه ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر، فقتل الرجال وسبى الحريم، وأحرق الديار، وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة غَزنة التي انتصر عندها المسلمون منذ شهور قليلة.

عبر جلال الدين نهر السند متجهًا إلى الهند واعتزم استرداد قوته واستعادة ملكه السليب، ووفد عليه الكثير من الجند وازدادت قوة جيشه، وقد واتته الفرصة للانتقام من المغول عندما توفي جنكيز خان سنة 624هـ= 1227م، فعاد جلال الدين إلى البلاد الخوارزمية واستقر على عرشها ولكنه لم يتمكن من استثمار فرص موت جنكيز خان لتعزيز مركزه فبدلًا من توحيد الشعوب والأمم الإسلامية التي ابتليت بظلم المغول سار على سياسة توسيع نفوذه على حساب القوى والامارات الإسلامية الأخرى.

دخل جلال الدين خوارزم في خلاف مع أخيه غياث الدين وصل إلى حد القتال بينهم، كما طمع في ممتلكات الايوبيين وسلاجقة الروم، بل طمع في الخلافة العباسية نفسها الأمر الذي أدى إلى تشتتْ قواته وتفرق من حوله من قواده وأمرائه فضعف جيشه أمام القوات المغولية التي كانت تتعقبه من مكان إلى أخر طيلة عشر سنوات وظل يهرب منهم حتى وصل إلى إحدى القرى بشمال العراق فقتله أحد الفلاحين الأكراد انتقامًا لأخيه الذي قتلته جنود الخوارزمية سنة 628هـ= 1231م، وبوفاته زالت الدولة الخوارزمية وانقرضت[1].


[1] انظر: دكتور راغب السرجاني: التتار من البداية إلى عين جالوت، ودكتور: عطية القوصي: تاريخ الدول المستقلة في المشرق عن الخلافة العباسية، مكتبة دار النهضة، 1992- 1993م، ص129- 144، ودكتور عصام الدين عبد الرؤوف الفقي: الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1420هـ= 1999م، ص159- 188، ودكتور حسن كريم الجاف: موسوعة تاريخ إيران السياسي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1428= 2008م، 2/ 198- 212.