يا قلبُ ويْحك إِنَّ ظبيكَ قد سنَح
فتنحَّ جُهدك عن مَراتِعه تَنَحْ
فأَرَدْتُ أًعْقِلَه ففرَّ من الحَشَا
طرباً وأَحبسُه فطار من الفَرحْ
وأَتَى فظَل صريعَ هَذاك اللَّمى
عَطَشاً وعاد قتيلَ هاتيك المُلَحْ
جَنح الغزالُ إِلى جَوانِحي
فَغدوتُ أَجْنَحُ مِنه لمَّا أَنْ جَنَحْ
ومن العَجائبِ أَنه لمَّا رَمى
بسهامِه قتلَ الفُؤادَ ومَا جَرَحْ
ولَمىً صقيل في مَراشِف شادنٍ
لو شئتُ أَمسحُه بلثمي لانْمَسَحْ
كاللَّيْلِ إِلاَّ أَنَّه لما دَجا
كالمسكِ إِلاَّ أَنَّه لمّا نَفَح
قبَّلتُه وقَبِلْتُ أَمرَ صبَابَتِي
ونصحتُ نفسي في قطيعةِ من نَصَح
ورشَفْتُ ريقَتَه على رَغْم الطِّلا
من كأْسِ مَرْشَفه على غيْظ القَدَحْ
ورقيقةِ الخَصرين كلُّ منهما
بسَقامِه لا بِالوِشَاحِ قَد اتَّشَح
من لحظِها السِّحرُ الحلالُ قد اسْتَحى
وبخدِّها الوردُ الجنيُّ قد انْفَتَح
عضَّتْ أَنامِلَها عليَّ تَدلُّلاً
فأَرَتْ رضيعَ الطَّلعِ مَعْ طَفْلِ البلَح
ثغرُ يُريك الأَقحوانَ به شفى
وقتَ الظهيرةِ أَو يُريك به قَلَح
لِي سُبْحَةٌ من جَوهَر في ثَغْرها
فَفَضَلتُ سائرَ من يُسَبِّح بالسُّبَح
لِمَ لا تُصالحِ قُبْلَتي يا خدَّها
والماءُ فيكَ مع اللَّهيبِ قَد اصْطَلح
كم يَعذِلون ولستُ أَسمعُ منهمُ
فأَنا وهم مثلُ الأَصَمِّ مع الأَبَحْ
ليسَ العذولُ عليكَ إِنساناً هَذَى
إِنَّ العذولُ عليكَ كلبٌ قد نَبَح
ولقد سأَلتُ القلبَ بعدَ تَصَبُّرٍ
يَسخُو عليَّ به فشحَّ وما رَشح
لم يُعْدِه بالبُخْل من أَخْلاقِها
فَلَطالَما سَمَحت وقَلْبي مَا سَمَح
بَعُدت عليَّ فضَاق صَدْري بَعْدها
وذكَرْتُ عَوْد أَبي عَلِيٍّ فانْشَرح
عادت إِلى الخلقِ الحياةُ مع الحيا
وإِلى قلوبِهُم السُّكونُ مع المَرحْ
إِنَّ الرحيمَ بعبدهِ رَحِم الوَرى
فأَتَي كَما اقْتَرحوا وجَاءَ كَما اقْتَرَح
وافى يُشيِّد ما عَفا وغَدا ينبِّه
ما غَفَا وأَقَام يأْسُو ما انْجَرح
صحَّتْ به الأَيامُ وهْي عَليلَةٌ
حتى النَّسيمُ فلو سأَلتَ لقيلَ صَح
والبدرُ لو داواه قربُ رِكابه
لَشفاهُ من كَلَفٍ يَشينُ وَمِنْ وَضَح
جاءَ الرَّبيعُ مع الشِّتاءِ فلا تَسَلْ
عَنْه ولا عن عيشِه كَيْفَ افْتَضَح
ما زال يَفْضَحُه فَكمْ قال الوَرى
مَنعَ الغمامُ فقلتُ والقاضي مَنَح
زَهَت الوَزَارَةُ باسْمه وتَوشَّحت
مِنْه بمَنْ لبس الفضائِلَ واتَّشح
جَاءَتْه خاطبةً فكان المُصْطفى
وسعى سِواهُ لَها وَكان المُطَّرَح
وتَطارحَتْ شغفاً ولم يَلْمَح لها
وجهاً فكيف تَظُنُّها لمَّا لَمح
صَلُحت لمولانا الأَجلِّ وَزارةٌ
هو عندها ِلأَجلَّ منها قَد صَلَح
وتحيَّرت مُدّاحُه في وصْفِه
فكأَنَّ مادِحَه المجوِّدَ مَا مَدَح
ولأنَّهم قَدْ أَذْنَبُوا إِذ قصَّروا
أَضْحى إِذا قَبِل المدَائِح قد صَفَح
صفحاً فقد قصّرتُ إِنِّي مِنْهُم
مِنْ ذا يُطاول ذَا النَّوالَ بِذي المِدَح
فلِئن سكتُّ فوجْهُ عذريَ قد بَدا
ولِئن نطقْتُ فوجْهُ عُذرِيَ قد وضَح
أَنْطَقْتَنِي بالجودِ بل أَفْحمْتني
فأَرى مَقَالَي قد أَطال وقَد جَمح
أَنت الَّذِي سَفَلَ الأَنَامُ وقد عَلا
أَنت الَّذِي نَقص الأَنامُ وقد رَجَح
أَنت الَّذِي لم يَقْدَحُوا في جُوده
أَنَّى وَجودُ يَديْك أَوْرَى إِذْ قَدح
طوَّقْتَهم مثلَ الحمَام بأَنْعُمٍ
فهمُ بمدحِكَ كالحَمامِ إِذَا صَدَح
فسوى مَديحِك مِنهمُ لَمْ يُستَمَع
وسوى نوالِك فيهمُ لَمْ يُستَمَحْ
أَنت الَّذِي مَلكَ المكارِمَ واحْتَوى
وأَنا الَّذي اغْتَبق المكارِهَ واصْطَبح
أَشْكُو الخمولَ ولستُ أَشْكُرُ مِنحةً
إِلاَّ النباهةَ فهْي سَيِّدةُ المِنَح
وَأَرى التَّجلُّد للعدوِّ إِذا عَلا
دُني وأبْسِم للزَّمَان وَقَدْ كَلَح
وأُضاحِكُ المكروهَ حين يَجدُّ بي
فكأَنَّه محبوبُ قَلبي إِذْ مَزَح
وإِذَا ضحِكْتُ فلو بَدا لكَ بَاطِني
ويُعيذُكَ الرحمنُ كُنتَ ترى التَّرح
كَمْ حاجةٍ نفسي إِليها قد سَمت
وعظيمةٍ طَرْفِي إِليها قد طَمَح
واللهُ قَدْ فَتَح المُرادُ لأَنَّه
بقدومِ مَوْكِبك المُظَفَّرِ قد فَتَح
أَدْنيتُ من قلبي المُنىَ لَمَّا دَنَا
وكَذا نزحتُ مدامِعي لمَّا نَزَح
ولقد قَدمتَ فسوفَ أَغفِرُ مَا جَنى
دَهْرِي عليَّ وسَوْفَ آسُو ما اجْتَرَح
فتَهنَّ صوماً بَعد عيدٍ قد أَتَى
فالعِزُّ يأْتِي في زَمَانِك والمُلَح
ونظمتُها والوزنُ منها فاتِرٌ
فأَتَتْ كأَنَّ الجمرَ منها قَدْ لَفَح
ضَاقَتْ قَوافِيها وصدْرِي ضَيِّقٌ
فَلَو أنَّها انْفَسَحت كَجودِك لانْفَسح
أَضْحَتْ على مِهيارَ قبلي ناشِزاً
إِنْ قَال عن محبوبِه فيها شَطَحْ
وتَتَابَعتَ فَتَحاتُها فَتَنَزَّهت
عن قول عبدِ الله حتَّى نَصْطَلح
ابن سنا