الحضر (حطرا او حطارا ) وعلاقتها بشعوب المنطقة ( اليزيديين)


تعتبر الحضر من المدن المهمة التي تقع جنوب غربي الموصل ب(110) كم وهي قريبة من العاصمة الاشورية اشور وتقع في طرف البادية الذي له اهمية كمركز تجاري للقوافل المارة في الصحراء ما بين جنوب العراق والى سوريا وكانت مركز عاصمة لدويلة لها حدودها الطبيعية نهر دجلة شرقا والفرات غربا وجبال سنجار شمالا والمدائن جنوبا اما عن تأسيس هذه الدولة فيقول الاستاذ طه باقر شيدت الحضر في القرن الثاني او الثالث ق.م وظلت مزدهرة الى ان دمرها الملك الساساني سابور الاول سنة 239 م. ولا يعرف مؤسس هذه المدينة ويقول لعلها كانت مركز القبائل المنتشرة في منطقة شيد فيه موضع لعبادة الالهة حول مجموعة من ابار المياه لاسيما عبادة الاله شمس واني أرى ان سكان اهل الحضر (حطرا )هم من بقايا الدولة الاشورية التي سقطت سنة 612 ق.م لان الشعوب حية لا تموت ولا تنقرض وانما تظهر على شكل مجموعات وقبائل وقادة يعتزون ويحافظون على دينهم وقوميتهم ويشقون عصا الطاعة للتخلص من سيطرة الاجنبي. فأذن أهل الحضر (حطارا )هم قبائل آشورية سكنت المنطقة وأسست دويلتها الحضر وتحدت السيطرة الاجنبية الفارسية والرومانية. ويؤكد ذلك أدي شير في كتابه المجلد الأول كتاب كلدو وآشور حيث يقول كانت مملكة الفرثيين متكونة من ممالك شتى صغيرة وكل واحدة لها ملكها وأشهرها أورهاي وتدمر وحدياب وحطارا. وقد أسس الحضريون دولتهم لتكون بعيدة عن أطماع الدول الاجنبية وقد ازدهرت هذه المدينة لعدة قرون ويذكر المؤرخون بأنها كانت تعتمد في اقتصادها على الموقع التجاري أو العسكري أو الديني لكنني أرى إن العامل الديني كان له الدور الكبير في اقتصاد الحضر لأن الدين له أهمية كبيرة في تاريخ الشعوب القديمة حيث يقول ماكس ميللر أحد الباحثين في الأديان (إن الدين قوة من قوى النفس وخاصية من خصائصها وأن فكرة التعبد من الغرائز البشرية التي فطر الإنسان عليها منذ نشأته الاولى). وكان للحضر دور كبير للمحافظة على الديانات القديمة وخاصة اله الشمس الذي له معبد كبير وأضافوا بناء جديد عليه مما يدل على إستقبال أعداد كبيرة من الحجاج الذين يقومون بالزيارة والتعبد وتقديم النذور والتي لها أهميتها حتى يومنا هذا والمثال على ذلك مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة في السعودية وكربلاء والنجف في العراق والقدس في فلسطين .أما عن بقاء مدينة الحضر مزدهرة لأربعة قرون يعود الى موقعها في صحراء البادية وتحصيناتها العسكرية.
لقد كانت مدينة الحضر مستديرة قطرها 2 كم يحيط بها خندق عميق محكم بسور مدعم بـ (163) برجا وعددا من القلاع ويتكون السور من جدارين عرض كل واحد من 3 أو 2,5 بينهما 12 م ويوجد خط ترابي يحيط المدينة وفضلا عن ذلك أن الحضريون ورثة الاشوريون المعروفين بالجيش القوي والمقاتل الشجاع والأسلحة الثقيلة كالمنجنيق وقد فشل الامبراطوران الرومانيان تراجانت وسبتيموس في فتحها في عهد الملك برشميا سنة 198 م الى أن سقطت سنة 239 بخديعة بقصة غرام مع بنت الملك كما تقول الروايات. ومن الملوك المشهورين عبدسميا وسنطروق ونصرو وغيرهم. أما عن لغة أهل الحضر فكانت اللغة الآرامية الرهاوية حيث وجد أكثر من ثلاثمائة نص كتابي في المدينة بالآرامية والديانة كانت عبادة اله الشمس او شمشا لذا أرى بأن مدينة حطرا أو حطارا كانت آشورية أو آرامية على عكس ما يذكره بعض المؤرخين بأنها عربية والأدلة هذه المقومات الأساسية التي تتكون منها القومية اللغة والدين والموقع الجغرافي وأسماء الملوك والكلمات الآرامية التي كانت مستعملة مثلا هيكلا ربا معناها الهيكل الكبير وقينايا (الصائغ) وبنايا (البناء) وغيرها. أما القبائل العربية ربما كانت موجودة لكن تشكيلهم لدويلة الحضر جاء متأخرا بعد الفتح الاسلامي وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)حيث وصلت الجيوش العربية الإسلامية إلى مدينة الموصل بقيادة سعد بن ابي وقاص سنة 16هــ 637م وفي سنة 22 هـ عين الخليفة عمر عرفجة بن هرثمة البارقي على الموصل ونزحت معه الكثير من القبائل العربية مثل الازد وطي وكندة وبعد ذلك تمت السيطرة على الموصل.
أما عن ديانة الحضر فقد عبد الحضريون ثالوثا خاصا متألفا من الالهة (مرن ومرتين وبرمرين) وهي تعني سيدنا وسيدتنا وابن سادتنا من الاب والام والابن وان برمين شيد معبد خاص لأبيه شمش ولذلك لقبت الحضر بمدينة الشمس ويقول الأستاذان فؤاد سفر و محمد علي مصطفى في كتابهم الحضر مدينة الشمس لقد عبد الحضريون الإله نركال او نركول الذي لم يخل معبدا من معابدهم منه ويقول بأنه اقتبسوه من الآشوريون الذي هو إله الحرب وحارس العالم السفلي. وبعد سقوط دولة الحضر (حطارا ) على يد الساسانين 239 م كان مصير هذا الشعب اللجوء إلى المناطق القريبة والموجودة فيها أبناء شعبهم في سهل نينوى لوجود الشعب الآشوري وإلى سهل سنجار ومن بين هؤلاء الشعب اليزيدي في قضاء الشيخان والقوش وسنجار وهناك أدلة كثيرة تبين انتماء الشعب اليزيدي الى الشعب العراقي القديم وخاصة شعب حطرا آو حطارا وهي:
1. لقد ورد في قدم اليزيدية أن الملك حمورابي حارب اليزيدية لإخضاعهم سنة (1785_1755 ق م) مما يؤكد أنهم موجودين قبل الدولة البابلية أو معاصرين لها حيث كان اليزيديون يعتقدون بطاووس ملك بينما البابليون يريدون منهم أن يؤمنوا بآلهة بابل.
2. هنالك رابطة أخرى ودليل لذلك وهو إحتفال الشعب اليزيدي بعيد سري صالي في أول أربعاء من أول أسبوع من شهر نيسان ويعتقدوا بذلك توافقه مع نزول طاووس ملك على الأرض والملاحظ أن الآشوريون كانوا يحتفلون بهذا العيد (أكيتوا البابلي ) وأنه يقع في 1 نيسان من كل سنة والاختلاف حدث نتيجة التقويم الغريغوري.
3. عبادة الإله شمش أوشمشا والذي عبده أهل الحضر (حطارا ) وكون الشعب اليزيدي لا يزالون يكنون الإحترام والتقديس للآلهة القديمة بالرغم من إيمانهم بالله الواحد الأحد ولا تزال كثير من مزاراتهم تحمل إسم شمس مثلا
أ‌- مرقد الشيخ شمس أو شمس الدين في عين سفني
ب‌- الشيخ خان شمسان في عين سفني.
ج الشيخ شمسان في قرية قرب جبل مقلوب.
د الشيخ شمس في بحزاني.
هـ الشيخ شمس الموجود في قريه بشتكيري في سنجار.
و الشيخ شمس في قريه جفريه في سنجار.
4. هنالك عشائر كثيرة ومتعددة لليزيدية منها قرية حطارا كبير تسمى بعشائر الشمساني وأرى بأنها ربما من العشائر التي هاجرت بعد سقوط الحضر (حطارا) إيمانا منها واعتزازا للمحافظة على تراثها القديم وربما أن هذه التسمية نابعه من اعتزاز وأصالة الإنسان بتاريخه وعشيرته وهذا ليس بالغريب في العراق حتى وقتنا الحاضر التمسك بالنسب والقرية والعشيرة.
5. وتأكيدا على ذلك ما يؤكد عليه الاستاذ سامي سعيد الأحمد في كتابه موجز في الديانات الشرقية القديمة (أعتقد ان اليزيدية ليسوا إلا استمرار للدين المثروي الذي سادت عبادته في الحضر. ويقول الدكتور علي تتر نيروه ي ترجمة بيرخدر سليمان أن المثرائية ظاهرة لحد الان في التقاليد اليزيدية وهذه الديانة كانت موجودة في الحضر وهنالك تشابه في الصور في معبد لالش (كاي كوز ) مذبح الثور وجود حية سوداء على واجهة المعبد ووجود سرداب مظلم والتي هي من شروط تقديم القرابين في المثرائية وهنالك صور تشبهها في الحضر ودخول رجال الدين في الحضر حافي القدمين وهذا ما موجود في معبد لالش.
6. لايزال أهالي سنجار يحلفون بالتثليث الذي اعتقد هو استمرارا للتثليث الحضري (مرن ومرتين وبرمين)
7. كان الحضريون يعقدون شعر رأسهم ويضعون فوق رؤوسهم قبعة مدببة الى الاعلى فحين يقوم اليزيدية بجعله على شكل ضفائر ويلبسون قبعة صوف شبيه .اضافة الى أن الزي الحضري شبيه بالزي اليزيدي، وخاصة في سنجار وقرى القوش. فمثلا ملابس الرجال الذي يرتديها أهل الحضر والاشوريين كانت من قطعتين هما القميص الطويل الذي يصل الركبتين والسروال العريض وكان هذا يستعمله اليزيديين الكبار السن الى فترة متأخرة من القرن العشرين.