الأب هل يفقد سلطته بتطور المجتمع؟!ـ
لطالما ظل الاب في الاسرة العراقية يحتفظ بمكانته البارزة وسلطته الشمولية المطلقة حتى عهد قريب من الزمن الا ان التغير الكبير الذي طرا على مجالات الحياة بالمجتمع خلال السنوات الاخيرة جعلته يفقد تدريجيا جزءا من مركزه الاول الذي كان يتمتع به لمفرده ودوره الريادي القيادي لتشاركه به الزوجة واحيانا بعض من الابناء الكبار مااحدث انقلابا غير متوقع في التنظيم العائلي الجديد داخل الاسرة قد يكون ذلك لصالح مسيرتها اذا التزمت باصول الدين والاعراف وبعكسه فانها تختار انهيارها لامحالة.
دور ثانوي
يعد الحاج سلمان كاظم الذي يمتهن اعمالا حرة من اولئك الاباء الذين بات من الصعب عليهم فرض سيطرتهم على اسرهم بعد ان كبر الاولاد فيها وانطلق كل منهم يشق طريقه في الحياة اذ ان دوره اضحى ثانويا كما يصفه هو ويضيف: بقدر فرحتي باعتمادهم على انفسهم الا ان ذلك خلف فجوة واضحة في علاقتي بهم تركت اثارا سلبية على وضعنا كعائلة ماجعلني اخشى على مستقبلي بعيدا عنهم فانشغالهم وتخليهم عني الان عمق مشاعر الخوف والقلق لدي على ايام كبري حينما اكون بامس الحاجة الى تواجدهم بالقرب مني.
في حين يقول الموظف علي خالد في العقد الخامس من العمر اذا كانت العلاقة قائمة على مبدأ الاحترام بين الاب وافراد اسرته لامانع ان ياخذ كل منه دوره بتفاهم وود لاسيما ونحن في عصر الديمقراطية وفرض الرأي والتشدد غير مقبولين، بنفس الوقت على الاب ان يحرص على ابقاء صورته المثالية كرمز من الضروري تواجده في حياة ابنه لما لذلك من اثر في تكوين الشخصية الطبيعية له بالمجتمع.
عطاء لاينضب
وترى المهندسة فوزية جاسم وهي ام لثلاثة اولاد ان سلطة الاب تمثل نوعا من الوصاية والحماية لايمكن الاستغناء عنهما حتى لو استقل الابناء والام ماديا فذلك لايقلل من قيمتها على العكس فان الاسرة بحاجة دوما الى الحزم والقسوة كي لاتفلت الامور لذا غالبا ماتكون تلك السلطة تلقائية عفوية لانها تاتي لمصلحة الجميع.
بينما تشير الطالبة الجامعية سما مولود الى ان ليس كل الاباء يعتبرون قدوة ومثالا حسنا لابنائهم لاسباب كثيرة غدت معروفة بهذا الزمن لكن مراعاة نظرة المجتمع والوازع الديني يفرضان على الابن التعامل مع والده باحترام وهيبة.
اما رسول محمود الذي يعمل في التجارة فانه يلوم ظروف الحياة الصعبة التي جعلت الابناء يبتعدون عن ابائهم ويتناسون تعبهم وتضحياتهم فالاب عطاء لاينضب على مدى العمر.
صاحب الدخل
المتخصص في الانثروبايلوجية النفسية الدكتور ريسان عزيز في الجامعة المستنصرية يؤكد على ان صاحب السلطة في البيت بحسب واقعنا الحالي هو صاحب الدخل ولذلك حتما هو من سيقود البيت وسيكون المحرك الرئيس له ويحتل اعلى الهرم استناداً الى الفكرة الثقافية السائدة قديما ان الاب صاحب القرار الاخير لاسيما ان مجتمعنا ذكوري لكن في الفترة الاخيرة اقتحمت المراة مجالات العمل بقوة واصبحت مصدرا مهما للدخل ايضا فدخلت منافسة قوية على المكانة التي يحتلها الرجل وابتداء من فترة الثمانينات بالتحديد انطلق صراع الادوار لان الرجل انشغل فيها بالحروب في حين اخذت المراة دوران كما نعلم لكن بعد نهاية الحرب اختلفت تركيبة الاسرة وحاول الاب استرجاع مكانته القديمة ولم يفلح لان المراة لم تتنازل عنها بسهولة فصار الصدام واظهر انواعاً متباينة من الاسر.
ناطق رسمي
ويوضح عزيز ان بعض الاسر تقودها الام واخرى السلطة متوزعة فيها بين افراد العائلة اي انها مشتركة وغيرها في ظاهرها تعطى شكل السلطة للرجل وتعيينه ناطقا رسميا باسم الاسرة و ليس بالضرورة هو صاحب القرار انما واجهة فقط ومن يتدبر الامور وراء الكواليس الزوجة او احد الابناء الكبار وفي مجتمعنا صعب ان نعلن ذلك خاصة ان كانت المراة متحدثة باسم الاسرة يعاب على العائلة لاننا في مجتمع شرقي تلك المتغيرات وعوامل اخرى اهمها دخول وسائل الاتصال الحديثة هزت صورة الاب واضعفت دوره حتى اساليب التنشئة تطورت مع تطور وسائل الاعلام التي باتت تربي اكثر من الاباء وتؤثر في الابناء بشكل اوسع فاختفت صورة الرمز الاعلى والنموذج المثالي واصبح الاب واجهة شكلية سلطته تتحدد جغرافيا بالمكان وتنتهي بمجرد غيابه عنه.
غبن الحقوق
من جهتها تصف سناء نجم العباسي اخصائية علم اجتماع عائلي في كلية الاداب السلطة بالبيت بانها مثل السفينة بالبحر لابد ان يكون لها ربان واحد وهناك مساعدون وتفضله ان يكون الاب من يمتلكها ويعينه من حوله الزوجة والاولاد الكبار ولكنها تدعو الى ان تكون لتلك السلطة حدود بحيث لايتجاهل الاب دور اولاده وزوجته ويستبد بقراراته لانهم حينما يضمرون كثيرا من الامور في داخلهم ولايبيحون امامه بكل شيء كونه رافضا ولايسمح لاي راي غير رايه فيتولد لديهم نوع من القهر وغبن الحقوق كبشر ويتوجه سلوكهم نحو التمرد والعصيان ومن ثم العدوان وبالتالي تكون شخصيتهم هشة اتكالية لاتعرف اتخاذ القرار بابسط امور الحياة حتى بعد وفاة الاب لانها كانت تعتمد عليه واذا كبروا فانهم سيهملون الاب لو كان على قيد الحياة وينظرون له ككائن هامشي.
تحرر مغلوط
العباسي تصور وضع تلك السلطة الان بانه يتارجح بين التحرر منها والتمسك بها بسبب كون مجتمعنا تقليديا محافظا تحكمه التقاليد والاعراف والعادات التي لانستطيع تجاوزها بالمقابل يشهد انفتاحا واسعا على العالم على اثر التطور الكبير الذي طرأ عليه مؤخرا فاحدث تقاطعا في تفكير الابناء وتناقضاً بسلوكهم تجاه تلك السلطة بما يرضي المجتمع المحيط بهم فقط ومع ذلك ينبغي ان لاتؤثر تلك المستجدات على قيمة الابوة فهي شعورنفسي يحتاجه الطرفان الاب والاولاد وتختتم العباسي كلامها بانتقاد المسلسلات والافلام التي تعرض حاليا وتعكس نماذج من التحرر المغلوط من السلطة الابوية التي لاتناسب علاقاتنا لانها تنقل مفاهيم قاتلة تفسخ الاسرة وتبعثر القيم الاخلاقية فيها كما تدعو من اجل ان تكون السلطة الابوية فاعلة في تنمية الابناء يجب تحويرها من الشكل التقليدي الى شكل يتناسب مع ضروريات المجتمع بحيث تكون سلطة رقابية تنفع الاولاد ولاتضرهم وان لاتتعامل باكثر من الديمقراطية معهم بحجة التطور.
عواطف مدلول
المصدر مجلة الشبكة العراقية