الموصل في عهد الملك الصالح
اثر وفاة بدر الدين لؤلؤ سنة 657هـ/ 1258م خلفه الملك الصالح ركن الدين إسماعيل، وهو ابنه، في حكم إمارة الموصل.
واعدّ هذا الحدث بداية لمرحلة جديدة في العلاقات المغولية. فبالرغم من انه اتبع في بادئ الأمر السياسة نفسها التي سار عليها ابوه مع المغول، غير انه لم يلبث ان اتخذ لنفسه سياسة مغايرة، أدت بطبيعة الحال الى تقليص فترة حكمه للموصل وإنهائها بعد ثلاث سنوات من توليه السلطة.
فقد قام جيش المغول بحركتي غزو للموصل، سنة 659هـ /1260م وسنة 660هـ/ 1261م. ولم يتيسر للمغول احتلال الموصل لولا عوامل عديدة هي:
1- الحصار الاقتصادي: فرض المغول حول الموصل حصاراً اقتصاديا أيضا، فقد امسكوا عن القتال حتى فنيت ميرتها ، وتعذرت عليها الاقوات، واكل اهلها الميتة ولحم الكلاب، وحدث قحط ووباء فتوجه الناس إلى الصحراء بسبب الجوع، فصاروا طعمة لسيوف المغول. كما ان الحصار الاقتصادي منع اتصالات الملك الصالح، وخاصة بـ (الظاهر بيبرس البند قداري) ملك مصر، الذي كان قد أبدى استعداده لتقديم مساعداته إليه لاسترداد إمارته (الموصل) من المغول اذا اقتضى الأمر.
2- عدم وصول النجدات: فقد تعذر وصولها من حلب التي كان من المقرر لها ان تلعب دورا مهما في تعزيز موقف الملك الصالح، تجاه تعزيزات المغول لجيوشهم المحاصرة للموصل.
3- اساليب الخداع المغولية: قام المغول بإيهام الملك الصالح بحسن نواياهم تجاهه، ثم أوهموه بوصول كتاب من هولاكو يتضمن ان (علاء الملك) وهو ابن الملك الصالح لا ذنب له لدى المغول، وقالوا له: (اننا وهبنا له ذنب أبيه فسيره الينا لنصلح أمرك معه).وقيل ان الملك الصالح لم يستسلم للمغول إلا بعد استشارة الأكابر في الموصل، واشترط لاستسلامه عدم مؤاخذته بأخطائه السابقة، وإرساله إلى هولاكو والإيحاء بعدم هدر دمه! وبناء على طلب من سكان الموصل أنفسهم، خرج الملك الصالح للمغول، فنادى المغول في الموصل بالأمان، فاطمأن الناس، فشرعوا عندئذ في تخريب السور ودخلوا المدينة واستباحوها.