الموصل وأهلها قبل 700 سنة كما وصفها (أبن بطوطة)



مدينة الموصل

وهي مدينة عتيقة كثيرة الخصب ، وقلعتها المعروفة بالحدباء عظيمة الشأن شهيرة الامتناع ، عليها سور محكم البناء مشيد البروج ، وتتصل بها دور السلطان ، وقد فصل بينها وبين البلد شارع متسع مستطيل من اعلى البلد الى اسفله ، وعلى البلد سوران اثنان وثيقان ابراجهما كثيرة متقاربة ، وفي باطن السور بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره قد تمكن فتحها فيه لسعته ، ولم ار في اسوار البلاد مثله الا السور الذي على مدينة دلهي حضرة ملك الهند.

وللموصل ربض كبير فيه المساجد والحمامات والفنادق والاسواق . وبه مسجد جامع على شط الدجلة تدور به شبابيك حديد ، وتتصل به مساطب تشرف على دجلة في النهاية من الحسن والاتقان ، وامامه مارستان ، وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والاخر حديث ، وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها بركة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج ، فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن .

وقيسارية الموصل مليحة لها ابواب حديد ، ويدور بها دكاكين وبيوت بعضها فوق بعض ، متقنة البناء. وبهذه المدينة مشهد جرجيس النبي ، عليه السلام ، وعليه مسجد والقبر في زاوية على يمين الداخل اليه ، وهو فيما بين الجامع وباب الجسر ، وقد حصلت لنا زيارته والصلاة بمسجده والحمد لله تعالى.

وهناك تل يونس عليه السلام ، وعلى نحو ميل منه العين المنسوبة اليه ، يقال ان امر قومه بالتطهير فيها ثم صعدوا التل ودعا ودعوا ، فكشف الله عنهم العذاب ، وبمقربة قرية كبيرة يقرب منها خراب يقال انه موضع المدينة المعروفة بنينوى واثر السور بها ظاهر ، ومواضع الابواب التي كانت لها متينة .

وفي التل بناء عظيم ورباط فيه بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات يضم الجميع باب واحد ، وفي وسط الرباط بيت عليه ستر حرير ، وله باب مرصع يقال انه الموضع الذي به موقف يونس عليه السلام .ومحراب المسجد الذي بهذا الرباط يقال انه كان بيت متعبده عليه السلام ، وأهل الموصل يخرجون في كل ليلة الجمعة الى هذا الرباط يتعبدون فيه .

وأهل الموصل لهم مكارم أخلاق ، ولين الكلام ، وفضيلة ، ومحبة في الغريب ، واقبال عليه . وكان أميرها حين قدومي عليه السيد الشريف الفاضل علاء الدين علي بن شمس الدين الملقب بحيدر . وهو من الكرماء الفضلاء أنزلني بداره وأجرى علي الانفاق مدة اقامتي عنده . وله من الصفات والايثار المعروف ، وكان السلطان أبو سعيد يعظمه ، وفوض اليه امر هذه المدينة وما يليها ، ويركب في موكب عظيم من مماليكه وأجناده ، ووجوه أهل المدينة وكبراؤها يأتون للسلام عليه غدوا وعشيا ، وله شجاعة ومهابة.