“عن الجسد “
(مقام ثان)
…
“الجسد عقلك الكبير وهذا العقل الصغير الذي نسميه وعيا ليس سوى أداة صغيرة ولعبة في يد عقلك الكبير”
“نيتشه”
..
ماذا يقولُ العقلُ
هذا العضو النَّاقصُ
هذا الطفلُ القاصِرُ
عنِ الجسدِ
الجسدُ بحرٌ لا قعر لهُ
ولا ساحل
الجسدُ سرٌّ ،
حِيلتهُ الجهلُ
……………….
هوذا الجسدُ رجراجا في التعاليم ، تجلدهُ الطُّقوسُ ، وتمنعهُ الأنهارُ عن قطرةِ ماءٍ ، هوذا الجسدُ / عورةُ تاريخنا يتزخرفُ في الحروفِ ،يرتفعُ في صليلِ السُّيوفِ ، و تعذِّبهُ نجمةٌ في غابرِ الأُفقِ
هوذا الجسدُ منقوصا في الذاكرةِ ، مُشبعا في غبارِ الأيّامِ
لا صورةَ لهُ في أوراقِ الوقتِ
و لا نسبَ في شجرةِ أسلافنا
هوذا الجسدُ يصرخُ في مرآةِ الحاضرِ
ويتيهُ ،
كأطفالِ الشَّوارع
……………………
بارقة :
من لا جسدَ له ، لا عقلَ له !
………………..
جسدي / هيكلي
أدعو لهُ الله ، وقتما شئتُ
نجلسُ معا على مائدةِ عشاءٍ ليسَ بالأخير
نأكلُ ما جادتْ بهِ الحقولُ من ثمارٍ ،
و نجتنِبُ اللُّحوم
نشربُ نبيذا محلِّيَّ الصُّنعِ
و نتبادلُ الهواجسَ
لا هوَ يُوحي لي
و لا أنا أنصحهُ
نتنادمُ طويلا
نثملُ
و
ينزوي كلُّ واحدٍ
إلى سمائِه
……………………
المساجِدُ مُقفرةٌ كما العادةِ
لا صورةَ تحتفي بالجسدِ
فكيفَ للرُّوحِ أن تحضرَ ،
في غيرِ جسدٍ ؟!
……………..
بارقة :
جسدي خلاصي ، و الرُّوحُ ؛ مجاز !
……………….
كلُّ هذا الشوكِ
كلُّ هذا الدَّمِ
حولي
كأنَّ الجسدَ ،
وردةُ العالم !
………………….
أفلاطون : لم يعجبهُ جسدي
لم يعجبهُ : أن أرى وأسمعَ و أشمَّ و أُحسَّ ، و يمتدَّ لساني الطَّويلُ
إلى لوثةِ عقلهِ
لم يعجبهُ انحطاطي الجارفُ
من هنا طردني من مملكتهِ
من هنا كانتِ الغوايةُ ،
جبلَ الشُّعراء
………………..
الجسدُ ؛ مرآةُ العالمِ
و الملامحُ ؛كافّةُ البشرِ
ولكني،
أراكَ : أيهذا العالمُ مُشوَّها
فكيفَ لي :
أن أطيقَ النَّظرَ ،
إلى وجهي ؟!
………
ها هي الحروبُ تفتكُ بجسدِ العالمِ
ها هي الأشلاءُ تسقطُ
كمطرٍ
أو كقصيدةٍ
ليس ل “بودلير”
ما يستنشقهُ من “الماريغوانا”
ليسَ ل “كافكا” نفسٌ
يمخرُ جثَّةَ الغريبِ
ليسَ ل “رامبو” مركبٌ ، ينقلُ قصيدتهُ السكرانة
ليسَ ل”السيّابِ” سُلٌّ إضافي
يسكنُ صدرَ العِراق
ليسَ لي ؛ كبدٌ جاهزةٌ
لأواصلَ السُّكْرَ
حسبي ،
أني جسدٌ
يترنَّحُ !
…………………
بارقة :
حينَ يتعذَّبُ الجسدُ ، تُزهرُ الخلايا في الحُقول .
……………….
“فنّ الحبّ ؟ أن تعرفَ كيف تجمع طبيعةَ ممتصِّ دماء إلى تخفِّي فراشة”
“اميل سيوران”
…
ياهٍ ، صديقي
قد امتصصتُ كلَّ دماءِ الأزهار
وتخفَّيتُ ،
كي لا يبصرني جناحٌ هشٌّ
وتواريتُ خلفَ اليومِ الواحدِ للفراشة
وفرحتُ بيومي / عُمري
كي لا تبصرني طائرةٌ مقاتلةٌ
كي لا أخرجَ على النّاسِ
شاهرا
عرائي
……………………
“كلُّ العالم عبيدي غيركَ”
أبو يزيد البسطامي
..
كلُّ عبيدِ العالمِ لكَ
العبدُ لا يملكُ شيئا ،حتى جسده
ذاكَ الجسدُ الممهورُ في خرائطِ الوصفاتِ الدينيةِ
المحبوسُ في سِلسِلةٍ بحجمِ التاريخِ والشرائع،
وبحجمِ هزيمتنا المُدويةِ على سطحِ الجُرحْ
أنا لستُ عبدا لكَ
وأنتَ لستَ إلاها لي
أنتَ / أنا
حينَ ينتفضُ الجسدُ ،
في صرخةِ الشَّطحْ
…………….
تركَ “بشر الحافي” نعلهُ
عند اسكافيٍّ ،جرحهُ بكلمةٍ
وانفتحَ ثقبٌ آخرُ في قلبهِ
لم يستطعْ رتقهُ بغير الحفاء
جسدي / تلكَ القدمُ حافيةً
جسدي ،
ذاكَ “الخبز الحافي”
في سيرةِ الجسدِ
وقدمي مذعورةً
تركضُ في الدَّم!
……………………….
العالمُ ؛ جسدُ الله
والأيامُ ؛ طلقاتُ رصاصٍ
و العامُ ؛ صليبُ الأبدية
……………………
هوذا الجسدُ يغزو ، يتظاهرُ ، و ينمو في الفضحِ كفرقةِ موتٍ باغية ، هوذا الجسدُ مصلوبا فوق خشبةِ مسرحٍ يسخرُ من صليبهِ السَّابقِ و يفتنُ موتا مؤجَّلا بالحضور ، بالجسدِ خرجَ نسلٌ من الجنَّةِ حينَ تدَّلت شجرةٌ اللهِ كتفَّاحةٍ من الشَّهوةِ في الأعضاءِ النَّاشفةِ لأبوينا ، و إلى أنهارٍ من الدَّمِ الحارِّ كانَ جسدُنا ينجذِبُ كشمسٍ بردانةٍ إلى بحيرةٍ دافئةٍ في العينِ ، عرقٌ هذا الجسدُ يتبخَّرُ في نارِ الغريزةِ و يطلعُ كغيمةٍ مالحة ، ماءٌ هذا الجسدُ ينسكِبُ إلى ينابيعِ البدايةِ و يصطفي بدءهُ من ماءٍ آسنٍ
هوذا الجسدُ ؛ فاتحةٌ للحضورْ
هوذا الجسدُ ؛ مرآةٌ لفاجعةِ العصورْ
……………………
“لامعة”
حين جاءَ الطُّوفان
ركبنا السفينة معا (كامل المخلوقات)
زوجا بجانبِ زوجٍ
ولكنَّ الحِكايةَ لم تذكر لحظةَ رَسَونا على يابِسةٍ
حينَ أخذنا الكائناتِ بالغَصْبِ
و جمَّلنا أجسادنا
بالدَّمِ المُقاتل!
………………
“بارقة”
لولا أمرُ الله ؛ ما اكتشفَ آدمُ جسده
………………..
“لامعة”
خلقني اللهُ على صُورتهِ
وخلقَ جسدي في طينٍ ، نفرتْ منهُ الملائكةُ
وعصاهُ الشيطان
فكيفَ لي ،أن أحمِلَ هذا الثِّقْلَ
كيفَ لي ،
أن أستوي جسدا غضّا طريّاً
أنا الغارقُ في الوحلِ / الطِّينِ
منذُ بدايتي ؟!
………………….
في زمنٍ مضى ، كنتُ أرقضُ لأعبِّرَ عن فرحي مثلما أرقصُ الآنَ كقبيلةٍ افريقيةٍ ضالعةٍ في الجُوعِ ، كنتُ أهزُّ الأردافَ لأنجو من سكتةٍ قلبيَّةٍ مثلما أهزُّها الآن ليخطئني صاروخٌ باليستي
ما زلتُ أرقصُ
ومازالَ الرَّصاصُ الأعمى
ينهالُ حولي
كأوراقٍ نقديَّةٍ
و لأنهُ لا خريفَ لي
ليسَ هناكَ عُمَّالُ نظافةٍ
ليُجمِّعوا أشلائي
و لا خدمٌ، يُجفِّفونَ أعضائي
من دمِ السَّهرة
……………………..
جسدي / عورتي ، من خلالهِ أبصِرُ ، لولا ثقبٌ في أسفلِ الجسدِ لانتهتِ الخليقةُ ، ليسَ لي مكاسبُ لأسترَ ما ظهرَ ، و ليسَ لي من المساحيقِ ما أسحقُ بهِ وحشيَّةَ ظهوري العاري ، أفتتنُ بنهدٍ يخرجُ سافرا ليشربَ من النّهرِ ، و من شفةٍ ولهانةٍ أروي نزقي للغرق ،
ومن وراءِ الملابسِ أقشِّرُ ثمرةً تنضحُ في غلافِها ، وأبعثُ نزوةً مكبوتةً لجحيمِ اللّذةِ
ليسَ ثمّةَ غيرُ الجسدِ
فاتحةً ،
لهذا السُّقوط !
منقوول