لا شك فى أن أعظم نعمة أسبغها الفينيقيون على الحضارة الإنسانية كانت أكتشاف الحرف، فهم أول شعب أستعمل حروفاً هجائية صرفة فى الكتابة، كما حمل الفينيقيون هذا الحرف و نشروه فى العالم المتمدن آنذاك. وقد تكون فكرة الكتابة الهجائية مقتبسة عن الصور و الأشارات المصرية، فقد كان المصريون يستعملون مجموعة من الصور كرموز لقيم صوتية. وفى أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد لاحظ الفينقيون أن كتابة المصريين صعبة و معقدة و يصعب تعلمها، فعمد فريق منهم إلى وضع الرموز التى تمثل حروفاً صحيحة كأساس فى تهجئة الكلمة.
وقد أطلقوا على هذه الرموز أسماء سامية و أعطوها قيمة صوتية تلائم الأصوات اللغوية فى لسانهم. و على سبيل المثال نقول أن الثور عند المصريين كان يرمز إليه برسم رأسه، فأخذ الفينقيون هذا الرمز ووضعوا مكانه أشارة ألف حسب مبدأ الأكروفونيا، أى أستعمال الصوت اللغوى لبداية الكلمة. وهذا المبدأ ما يزال شائعاً فى كثير من المدارس و الكتب لتعليم حروف الهجاء، فيقال للطفل : ب: بطة، د: دجاجة .... إلخ. و على هذا الأساس وضع الهجاء الفينيقى. وهكذا كون الفينقيون من الصور مجموعة حروف الهجاء المشهورة و عددها 22 حرفاً.
وهناك هجاء آخر ينسب إلى جبيل، وهو خطى مستقيم، يتألف من 22 حرفاً و يكتب من اليمين إلى الشمال. و الظاهر أن الكتابة التى تظهر من اليمين إلى الشمال بدأت اولاً بالحفر على الصخر.
فإن القابض على إزميله بشماله و المطرقة بيمينه يستسهل عملية الحرف من اليمين إلى الشمال. ولقد كان لأوغاريت نظام كتابة يختلف عن الحرف الفينيقى و الهجاء الجبيلى.
وكانوا يكتبونه بقلم يغرز فى ألواح من الطين الطرى ثم يشوى كما كان يفعل أهل بابل و أشور. و النقوش التى وجدت فى أوغاريت عام 1929 و المكتوبة على الآجر خطت بهذا النوع من الكتابة، و يعود تاريخها إلى أوائل القرن الرابع عشر ق.م. وقد عثر عام 1949 فى رأس شمرا على قطعة آجر كتبت عليها الألفياء بكامل حروفها ال 22 مرتبة على ترتيب حروف الهجاء كما عند الآراميين و البرانيين. أما العرب فعندهم. وقد أستقرت الشعوب قديماً على الحروف الفينيقية المعروفة و التى نقلوها إلى العالم.
وقد وجدت فى جبيلعام 1930 كتابة مقطعية وضعت على مثال الكتابة الهيروغلفية المؤلفة من الصور، وكانت هذه الكتابة على الحجارة و النحاس، وهى من أقدم النماذج اللغوية للسان الكنعانى ( 1375 ق.م).
إن أقدم نقش فينيقى تام سهل الفهم مكتوب بالهجاء الكنعانى نقش يتألف من خمسة أسطر محفورة على الحجر الكلسى عثر عليه المستشرق الفرنسى رينان فى قلعة جبيل القديمة. وفى هذا النقش إشارة إلى أن بناء سور أقامه شافاط بن ايلى - أحد ملوك جبيل. ولا شك فى أن الحروف الهجائية التى كتب بها هذا النقش القدييم تبدو بأشكال تدل على أنها أقدم عهداً و عثر عليها المستشرق الفرنسى عام ( 1923).
و من المعروف أن الأبجدية الفينقية التى أخذها اليونان و من ثم الرومان، هى نفسها المستعملة مع بعض التحوير فى أيامنا الحاضرة.