الموقع الجغرافي لمقديشو:
تقع مدينة مقديشو في الجزء الجنوبي لجمهورية الصومال وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي، وتكمن أهمية موقعها الاستراتيجي في كونها تقع على مُنحنى نهر شبيلي الذي ينبع من أعالي الحبشة الذي يمرُّ بعدَّة بلدات بالصومال من أهمها بلدوين وبولوبرتي وجللقسي وجوهر وبلعد، وما يكاد يدخل نهر شبيلي مدينة مقديشو ويصُبُّ في المحيط الهندي بمسافة لاتتعدَّى ثلاثين كيلومترًا فقط إلا وتدْفَعُه رمال مقديشو وتلُّها الكبير، وتُجبره على الاتجاه غربًا ليُواصل سيره مئات الكيلومترات تاركًا وراءه أراضي خصبة وهي منطقة شبيلي السفلى المجاورة لها [1].
يحدها من الشمال الشرقي محافظة شبيلي الوسطى، ومن الجنوب الغربي محافظة شبيلى السفلى، ويحد المحيط الهندي من الجنوب الشرقي، وتقدر مساحتها الآن 26 كيلو مترًا مربعًا، وبالتالي فهي من العواصم الصغيرة من حيث المساحة إذ إنَّه يمكن قطعها بالسيارة في خلال نصف ساعة إذ لم يكن هناك حواجز أو ازدحام.
نشأة مقديشو
أما تاريخ تأسيسها فيرى المؤرخ الصومالي د. محمد حسين معلم أنَّ المؤرِّخين القدامى لم يدوِّنُوا تاريخًا محدَّدًا لتأسيس مقديشو على الرغم من ورود اسمها في المصادر الأوَّلوية ولا سيَّما كتب البلدان والرحلات الجغرافية، وأنَّه وردت أقوالٌ كثيرةٌ حول تأريخ تأسيس مدينة مقديشو وأقدميَّتها وكذلك حول من أسَّسها [2].
وقد نقل عن وثيقة تاريخية قديمة باسم (دليل البحر الإرتري) وهو كتاب لمؤلِّف مجهول وصف منطقة ساحل أزانيا التي من ضمنها أرض سيربيون (serapion) (موقع مقديشو حاليًّا)، وممَّا يؤكد ذلك أنَّ الإغريق القدماء كانوا يعرفون مقديشو باسم سيربيون وذلك منذ ألفي عام..
وذكر حمدي السيد في موسوعته (الصومال قديمًا وحديثًا) أنَّ مقديشو عُرِفت في العصور الوسطى باسم حمر، ويُشيرا إلى أنها حكمتها دولة حميرية قبل ظهور الإسلام كما سيأتي في تفسير حمر.
جاء ذكر مقديشو في الكتب القديمة مثل كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي (ت سنة 622هـ=1224م) وهو أوَّل كتاب عربي تناول ذكر مقديشو، كما ذكره المؤرِّخ محمد حسين، وكتاب "تقويم البلدان" لأبي الفداء، و"تاج العروس" للزبيدي، وكتاب رحلة ابن بطوطة الذي وصف مقديشو وصفًا شبه دقيق من النواحي الاجتماعية والسياسية، وعدد آخر من الكتب القديمة [3].
أمَّا أول من أسَّس المدينة فقد جاء في الوثيقة العربية التي عثر عليها البرتغاليون في مدينة كلوه (في الساحل الجنوبي للمحيط الهندي – موزمبيق حاليًّا) عام (910 هـ= 1505م) حيث أمكن معرفة بعض الأخبار الهامَّة عن مدينة مقديشو في القرون الأولى للهجرة منها أخبار البعثات العربية الإسلامية القادمة من مدينة الإحساء على الخليج العربي على ثلاث سفن، بقيادة سبعة إخوة نزلوا في ساحل الزاهية [بنادر]، وقاموا بتأسيس مدينتي مقديشو وبراوه.
وتذكر الوثيقة العربية أنَّ مؤسِّسي مدينة مقديشو قد أقاموا عليها حكمًا شوريًّا باثني عشر رئيسًا من ذريَّة اثني عشر أخًا، وفي عهدهم امتدَّ نفوذ مقديشو على طول ساحل الزاهية (بنادر)، بما فيها من المدن العربية وغيرها [4].
وبناءً على هذا الرأي يعتقد كثيرٌ من المؤرِّخين الصوماليِّين أنَّ مقديشو أُسِّست من قِبَل الإخوة السبعة في عهد الخلافة العباسية؛ حيث كانت هجرتهم أكبر هجرة عربية إلى الساحل الصومالي، والإخوة السبعة من قبيلة (الحارث) العربية جاءوا في ثلاثة سفن محمَّلة بالرجال والعتاد الحربي، وقد نما إلى علم هذه الجماعة العربية أخبار الجماعات العربية التي سبقتهم إلى ذلك الساحل، وقد تحقَّق لهم ما أرادوا بفضل جهودهم، واستولى الإخوة السبعة على كلِّ سواحل بنادر، وذلك بعد أن اصطدم الإخوة السبعة بالمجموعة الزيدية الشيعة، أو الشيرازيون الذين اضطروا للانسحاب من المنطقة، ونشروا المذهب السني، ولا يزال المذهب الشافعي هو السائد في بلاد شرق إفريقيا [5].
ويفهم من هذا أنَّ مقديشو كانت موجودة قبل مجيء الإخوة السبعة وهو ممَّا يُضعف القول بأنهم من أسَّس المدينة، ومع كلِّ هذه الآراء والأقوال يظهر لنا أنَّه من الصعوبة بمكان تحديد فترة زمنيَّة معيَّنة في تأريخ تأسيس مدينة مقدشو [6].
وورد في كتاب (المنِّ والسَّلوى في تاريخ كلوى) أنَّّ مقديشو أُسِّست قبل تأسيس مدينة كَلْوَى بحوالي 70 سنة على يد رجالٍ من أزد عمان الذين هاجروا إلى هذه المنطقة في أيَّام حكم عبد الملك بن مروان بسبب صراع بين القبائل هناك.
وتوضح الوثائق المحفوظة في المتحف الوطني في مقديشو والمحفوظات المتوارثة التي عند بعض العائلات وكذلك الآثار التي وجدت في المقابر والأماكن الأثرية أنَّ مقديشو كانت مدينة كبيرة قبل فجر الإسلام.
وقد عُثِر في إحدى المناطق القديمة في المدينة على شاهد من الحجر كُتِب عليه أنَّ صاحبة القبر المسمَّاة "فاطمة بنت محمد عبد الصمد بنت ياقوت" تُوفِّيت سنة 111هـ، ومن الواضح أنَّ فاطمة هذه قد عاشت في المدينة فترةً من الزمن قبل هذا التاريخ [7].
حول معنى اسم مقديشو:
ذكرها العرب باسم (مَقْدِيشُو) –بفتح الميم وكسر الدال وضم الشين- كما في تاج العروس للزبيدي، وأشار إلى أنَّ هناك ضبطًا آخر، وهو ما ضبطه ياقوت الحموي بفتح الميم وفتح الدال بينهما سكون (مَقْدَيْشُو).
وذكر الشريف عيدروس "أنَّ معنى مقديشو كما ذكره المؤرِّخون: (مقعد الشاه)؛ أي المكان الذي يسكنه الحاكم العجمي "شاه"؛ فعندما كثر الاستعمال حُذِف حرف العين من كلمة (مقعد) ثم رُكِّبت الكلمتان من الكلمة العربية والكلمة العجمية فصار (مقدشاه)، ثم قلبت الألف من "شاه" واوًا، فصار مقدشوه" [8].
ونستنبط من هذا المعنى جذور التاريخ الفارسي في الصومال؛ لأنَّ الشيرازيِّين الفرس قد حكموا المدينة وملحقاتها واستطاعوا السيطرة على إدارة شئون الحكم فيها بقيادة علي بن حسن الشيرازي، وذلك في أواخر القرن الخامس الهجري..
لكن هناك من يرى أنها بمعنى (مقعد الشيخ)، ويرى المؤرخ محمد حسين معلِّم أنَّ الرأيين لا يبتعدان كثيرًا؛ إذ إنَّ (الشيخ) عند أهل الصومال يُطلق على سلطانهم، وقد لاحظ ذلك الرحالة ابن بطوطة حيث قال: "وسلطان مقدشو إنما يقولون له الشيخ، واسمه أبوبكر بن الشيخ عمر"، ويُفسِّر بعضهم بأنَّ اسم مقديشو يعني الموضع الذي تجتمع فيه الأغنام للبيع.
أسماء أخرى لمقديشو:
نظرًا إلى قِدَم تأسيسها وعراقة تاريخها فقد سُمِّيت مقديشو بأسماء متعدِّدة نذكر منها:
1- (حمر): بفتحتين فسكون: وهو الاسم الشعبي الشائع لمقديشو، ويُرجِّح بعض الباحثين أنَّ اسم حمر أقدم من مقديشو، وأنَّ أصله من كلمة حِمْيَر نسبةً إلى دولة حمير اليمنيَّة التي كانت تحكم اليمن وأجزاء أخرى من جزيرة العرب، ويذكر المؤرِّخون أنَّ حكم الحميريين تجاوز القُطر اليمني وامتدَّ إلى الصومال، وذكر آخرون أنَّ أقوامًا من الحميريين حكموا مدينة مقديشو قبل ظهور الإسلام بقيادة السلطان الحميري أبو كرب [9].
ويمكن أن تقصد كلمة حمر باللون الأحمر، وهو كناية عن توفُّر الذهب والفضة في المدينة، أو تواجد المواشي ذات اللون الأحمر، كما أنَّ هناك رأيٌ آخر يقول إنَّ حمر مشتقٌّ من قبيلة "آل حمر" إحدى القبائل القاطنة في الساحل.
ويدلُّ أصالة هذا الاسم إلى أنَّ أحياء عتيقة في مقديشو حملت اسم "حمر"، مثل: "حمر ويني"، و"حمر ججب"، وأحياء جديدة، مثل: "حمر جديد"، و"حمر بله".
2- (بنادر): كان يُطلق عليها منطقة شاسعة تشمل بعض المدن الساحليَّة ابتداءً من منطقة عدلي إلى منطقة براوه وكيسمايو، واشتهرت مقديشو باسم بنادر بمرور الزمن حتى أُطلق عليها كليًّا في فترة الاستعمار وما بعدها [10].
المراجع:
[1] "مراجعات استراتيجية في الشأن الصومالي"، أنور أحمد ميو، مطابع السودان للعملة، ص36.
[2] "الثقافة العربية وروَّادها في الصومال"، محمد حسين معلم علي، ص221.
[3] المصدر نفسه.
[4] "الصومال قديما وحديثا"، حمدي السيد سالم.
[5] "حال الدعوة الإسلامية في الصومال في فترة الإحتلال الأوروبي"، دراسة ماجستير غير منشورة، من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا، بقلم: محمد نور حسين.
[6] "السلطنات الإسلامية فـي منطقة القرن الإفريقـي، مقال بقلم: د.محمد حسين معلم علي.
[7] "مقديشو.. راوية تاريخ الإسلام في القرن الإفريقي"، مقال، بقلم علي حلني.
[8] "بغية الآمال في تاريخ الصومال"، الشريف عيدروس بن علي النضيري.
[9] "بغية الآمال"، مصدر سابق.
[10] "الثقافة العربية"، مصدر سابق.
مؤلف: أنور أحمد ميو