إخبار النبي باستشهاد عمر وعثمان وعلي

من الدلائل والمعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ما جاء على لسانه من الإخبار بموت بعض أصحابه وآل بيته وأعدائه، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم مُدَّعِّياً للنبوة لمَا أخبر عن أمرٍ مستقبلي غيبيّ، لا يعرفه أحد من البشر، ولم يطالبه به أحد. وإذا كان من المعلوم أن الموت وما يتعلق به من مكان وزمان وكيفية علم اختص الله عز وجل به، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (لقمان:34)، فما ورد وثبت من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره بكيفية موت بعض أصحابه وأعدائه، وتحقق كما أخبر به، فبوحي من الله تعالى؛ للدلالة على نبوته وعلو قدره ومنزلته، وأنه رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} {النَّجم:4)، وقال سبحانه: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجنّ:26-27)، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

نبيٌ يرى ما لا يرى الناسُ حولَه ويتلو كتابَ الله في كل مشهد

فإِنْ قال في يومٍ مقالةَ غائبٍ فتصديقُها في ضحوة اليومِ أو غد

ومن هذه الأخبار إخباره صلوات الله وسلامه عليه أن موت عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين لن يكون موتاً عاديًّا، بل سيكون شهادة في سبيل الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبلِ حراءٍ فتحرك، فقال: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ، أو صدِّيقٌ، أو شهيدٌ) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر وعثمانُ وعليُّ وطلحةُ والزبيرُ وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضيَ الله عنهم) رواه مسلم. قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: منها إخبارُه أنّ هؤلاء شهداء, وماتوا كلٌّهم غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء، فإنّ عمرَ وعثمان وعليّاً وطلحة والزّبير رضي الله عنهم قُتلوا ظلماً شهداء، فقتلُ الثلاثةِ (عمر وعثمان وعلي) مشهور, وقُتلَ الزّبير بوادي السّباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال, وكذلك طلحة اعتزل النّاس تاركاَ للقتال, فأصابه سهم فقتله, وقد ثبت أنّ من قُتل ظلماً فهو شهيدٌ".

عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

بشّر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشهادة مرة أخرى حين رآه يلبس ثوباً أبيض، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عُمر قميصاً أبيضَ فقال: (ثوبُكَ هذا غسيلٌ أم جديدٌ؟ قال: لا، بل غسيلٌ، قال: البَس جديدًا، وعِش حميداً، ومت شَهيداً) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وقد وقع الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم،، فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو قائم يصلي الصبح إماماً بالمسلمين في المسجد النبوي سنة ثلاث وعشرين للهجرة النبوية، ليكون مقتله رضي الله عنه علامة من علامات نبوته صلوات الله وسلامه عليه.

عثمان بن عفان رضي الله عنه:

ثاني الشهداء في نبؤته صلى الله عليه وسلم هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة، وأنبأه أنها ستكون في فتنة طلب منه أن يصبر عليها، وذلك لما جلس أبو موسى الأشعري مع النبي صلى الله عليه وسلم على بئر أريس في بستان من بساتين المدينة، يقول أبو موسى: فقلتُ: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب، فقُلْتُ: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقُلْت: على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: (ائذن له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) فجئته، فقُلْت له: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك) رواه البخاري، وقد استشهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر بالجنة والشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع.

علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ثالث المبشرين بالشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيدٌ) هو علي رضي الله عنه، وقد أنبأه النبي صلى الله عليه وسلم في موقف وحديث آخر بأنه سيُقتل بضربة في صِدْغَيه، ولعلم ويقين علي رضي الله عنه بما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل ويموت شهيداً، فإنه ما كان يخاف على نفسه الهلكة من أي مرض يصيبه، فعن أبي سنان الدؤلي أنه عاد (زار) عليًّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال: فقلت له: "لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: (إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود) رواه الحاكم وصححه، وحسنه الهيثمي.

لنبينا صلى الله عليه وسلم من الدلائل والمعجزات الكثير والكثير، فهو أكثر الرسل والأنبياء معجزة، قال ابن تيمية: "وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة". وذكر النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين. وقال ابن القيم: "ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن".

والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة من الدلائل والمعجزات في إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمر غيبي مستقبلي وقع كما أخبر به، من ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بكيفية وفاة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ولذا كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يقول:

وفينا رسول الله يتلو كتابَه إذا انشق معروف من الصبح ساطع

أرانا الهُدَى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أنَّ ما قال واقع