النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

إعزاز العربية عند القدماء والمحدثين

الزوار من محركات البحث: 26 المشاهدات : 463 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    احساس شاعر
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: بغداد الحبيبة
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 61,676 المواضيع: 17,422
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 88477
    مزاجي: متقلب جدا
    المهنة: كرايب الريس
    أكلتي المفضلة: الباجه
    موبايلي: نوت ٢٠
    آخر نشاط: منذ 4 يوم
    الاتصال: إرسال رسالة عبر ICQ إلى فقار الكرخي
    مقالات المدونة: 17

    Smileys Afraid 058568 إعزاز العربية عند القدماء والمحدثين

    أحبابنا الأكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما أجملَ لغتنَا وما أحلاها وما أنفعهَا وما أبهَاها، كفاها قيمةً وهيبةً أنها لغةُ القرآن الكريم، ولغةُ رسولِه الكريم، ولغة صحابته والمسلمين أجمعين، ولقد سعدنا جميعا حين تُوجت جهودُ المملكة العربية السعودية مع الكويت بجعلها لغةً رسميةً في الأمم المتحدة، فصار لها هذا اليومُ العالمي الذي احتفلنا به.
    والسؤال الآن هل أدركَ طلابُنا أهميتَها حقاً؟ فأحبوها؟ وعشقوها؟ فصارت مكوناً من مكوناتهم الشخصية، وعلامة مميزة لهم بين الشعوب والأقوام كما هو شأن العبرية عند اليهود والألمانية عند الألمان مثلاً؟ وهل جعلوا حبَّها والشغفَ بها شِرعةً ومنهاجًا؟ قولاً وسلوكاً، قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) والأتباعُ يكون في القولِ والفعلِ، والقولُ الذي نطقَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم حروفُه وتراكيبُه عربيةٌ، وأحسب أن من مستلزماتِ الاتباعِ تحقيقَ معنى القول أولاً ثم حبَّ قائلِه المتمثلَ في حب لغتهِ ومن ثَمَّ الحفاظُ عليها، ومما يعضدُ ذلك ما جاء في الأثر: أحبوا العربَ لثلاث: لأني عربي والقرآنُ عربي، وكلام ُأهل الجنة عربي وهذه المحبة هي التي آمن بها القدماءُ من علمائنا، وتحققوا بها قولا وسلوكاً، وقد أشار إلى ذلك الثعالبي في مقدمة كتابه فقهِ اللغة قائلا" من أحبَّ اللهَ تعالى أحبَّ رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم ومن أحبَّ الرسول العربيَّ أحبَّ العربَ ومن أحبَّ العربَ أحبَّ العربيةَ التي نزلَ بها أفضلُ الكتب ومن أحبَّ العربيةَ عُني بها" فقوله" عُني بها" أي اعتنى بها تعلما وتعليما قولا و سلوكا. وما ذلك إلا لأنها لغةٌ مقدسةٌ.
    والحق أن علماءَ العربية لم يكتفوا بالعناية بها بل تصعدوا بهذه العنايةِ حتى صارت تولهاً وعشقاً، ظهر ذلك فيما قدموه من تراثٍ خادمٍ لهذه اللغة، قلَّ نظيرُه، وندر، ولا أرغب في سرد الأقوال والحكايات الدالة على ما ذكرناه لئلا نفوتَ الغرضَ من المحاضرة، فأمامي ثلاث صور تبين لنا مدى الصلةِ الوثيقةِ بين العربية التي هي لغةُ القرآن وتَمَثُّلِها سلوكاً وعملا الأمرُ الذي يدل على صدق الاعتقاد، وصدقِ تحققه، في حياتهم وشؤونهم وكأنهم استشرفوا زماننَا هذا فأحبوا أن يرسموا منهجاً نسيرُ عليه، ونوراً نستضيءُ به في دياجير الظلم، لنكون سادةَ أهلِ الأرض روادَ الأمم والحضارات:
    1- الصورة الأولى من أثر إعزازهم للعربية تتمثلُ في قول الناس الذين حكى عنهم المازني واصفين كتابَ سيبويه بأنه قرآنُ النحو (1)، فهذه العبارةُ تؤكد حضورَ القرآن الكريم بكل قدسيته ومنزلته ومهابته في عقولهم وعواطفهم وشؤون حياتهم، لذلك استشهدوا به في كلامهم العلمي، ولهذا القول ثلاثُ دلالات:
    أ‌- الأولى: يدل هذا القولُ على مكانةِ كتابِ سيبويه ومنزلتهِ عندهم، وهيبتِه في قلوبهم، وإعزازِه في نفوسهم. فكما أن القرآنَ الكريمَ له المكانةُ العاليةُ عندهم كذلك كتابُ سيبويه.
    ب‌- والثانية: أنه حوى أصولَ النحو وفروعَه، فهو منهلُ النحاة، منه يَصدرون وإليه يَرجعون، كما أن القرآنَ الكريمَ هو منهلُ علماءِ الشريعةِ والعربية.
    ت‌- والثالثة: أن عباراتِه موارةٌ بالمعاني، فهو حمَّالُ أوجه، كما أن القرآنَ كذلك، فكلُّ واحد قد يفهمُ من عبارة سيبويه ما لا يفهمه غيرُه، وفقَ ملَكاتِه وقُدراته اللغوية. قال المازنيُّ ملمحاً إلى ذلك: ما أخلو في كل زمان من أعجوبةٍ في كتابِ سيبويه، ولهذا سماه الناسُ قرآنَ النحو(2).
    وبالجملة تؤكد هذه الصورةُ أن القرآنَ الكريمَ حاضرٌ بقداسته وحرمته في كل أعمالهم اللغوية فكان رائدَهم العلميَّ وقائدَهم الفكريَّ.
    2- أما الصورة الثانية عند العلماء في إعزازهم العربية فتتجلى في عناية أسلافنا بالقراءة وحب المطالعة لأنها تكوّنُ الشخصيةَ العلميةَ الراقية ويستتبعُ ذلك اقتناءُ الكتب، وذلك بتكوين مكتبةٍ عامرةٍ بأنواع الكتب، يستمتعون بقراءة ما تحتويه تلك الكتبُ من المعارف، ويسهلونها لأبنائِهم ولطلابهم، فالمجتمعُ القرَّاءُ يُعَدُّ من أرقى المجتمعات، وهو الذي يتصدرُ الريادةَ العالميةَ، وما أظن أن هناك أمةً اعتنتْ بالتأليفِ والتصنيفِ وحث دينُها الحنيفُ على القراءة كالأمة الإسلامية فنحن "أمة اقرأ، لقد هيأ اللهُ لهذه الأمة أولئك العلماءَ الذين أفنَوا أعمارَهم لخدمةِ الشريعةِ الغراءِ(3)، فقدموا للبشرية حضارةً علميةً أخلاقيةً وشاركوا في بناء الحضارةِ الإنسانيةِ بكل علومها ومعارفها لقد أشار الأستاذ محمد أديب كلكل في كتابه الأنيس في الوحدة إلى أهمية القراءة وفوائدها وآثارها على الأفراد والمجتمعات بقوله "قالوا: الشعبُ الذي لا يقرأ لا يستطيعُ أن يعرفَ نفسَه، ولا غيرَه، واتهامُ شعبٍ بأنه لا يقرأ وصمةُ عارٍ على جبينه، ينبغي أن يتخلصَ منها، والشعوبُ الحيةُ عندما تتخلفُ في أي مضمار تبحثُ عن الخللِ في القراءة فتحتَ سِنِّ القلمِ يبرزُ مستقبلُ الأممِ، نحن أمةُ (اقرأ) أولُ كلمة نزلتْ في آخر خطاب من السماء إلى البشر ونحن أمة (القرآن) كتابُ الله الذي اشتُقَّ اسمُه من القراءة، إن أكثرَ الناس قراءةً هم أكثرُ الناس كرامةً، ومن يقرأ أكثرَ ينبُلُ أكثرَ، ويرتقي أكثر" (4).

    ولقد تفنن الشعراءُ والأدباءُ في تصوير العلاقة بين الكتاب وقارئه، وبيان فوائد القراءة، قال الشيخ محمد أديب كلكل "إن كان زهرُ البساتين ونَور الجِنان يَجلُون الأبصارَ، فإن بستانَ الكتبِ تجلو العقلَ وتشحذُ الذهنَ، وتحيي القلب وتقوي القريحة وتعينُ الطبيعةَ وتؤنس في الوحشة، ولله در المتنبي حيث يقول:

    أعزُّ مكانٍ في الدنى سَرْجُ سابحٍ *** وخيرُ جليس في الأنام كتابُ (5)
    وصور أبو بكر القفال في أبياتٍ له، وضعهَا على خزانة مكتبته، العلاقةَ بينه وبين الكتاب، الذي بدا له أنه يغنيه عن كل شيء في حياته، قال:
    خليلي كتابي لايعافُ وصاليا *** وإنْ قلَّ لي مالٌ وولَّى جماليا

    كتابي عشيقي حين لم يبقَ مُعشَقٌ *** أغازلُه لو كان يدري غزاليا
    كتابي أبٌ برٌّ وأمٌّ شفـــــــــيقة ٌ *** هما هو إذ لا أمَّ أولا أبا ليا (6)
    وأظهرشاعرٌ آخرُ مشاعرَه وحبَّه للكتاب، بصورة أنيقة أخرى فقال:
    كتابي فيه بستاني وروحي *** ومنه سميرُ نفسي والنديمُ
    يجالسني وكلُّ الناسِ حربٌ *** يسلّيني إذا عرَتِ الهمومُ
    ويُحيي لي تصفحُ صفحتيه *** كِرامَ الناس إن فُقِدَ الكريمُ
    إذا اعوجّتْ عليّ طريقُ قومي *** فلي فيه طريقٌ مستقيمُ (7)

    من الملاحظ أن الأبياتِ السابقةَ أشارت إلى فكرة العُزلةِ عن الناس والاستغناءِ بالكتاب عنهم، واستحوذت فكرة العزلة عن الناس لأجل القراءة على فكر بعض الشعراء، فجعلوا ذلك من أهم
    أغراض أبياتهم، قال شوقي في قصيدته المشهورة:
    أنا من بدَّلَ بالكتبِ الصحابا *** لم أجدْ لي وافياً إلا الكتابا
    صاحبٌ إن عِبتَه أو لم تَعِبْ *** ليس بالواجد للصاحب عابا
    صحبة ٌ لم أشْكُ منها رِيبةً *** وودادٌ لم يكلّفني عتابا (8)

    وقال آخر:
    ما تطعّمتُ لذةَ العيش حتى *** صرتُ في البيتِ للكتاب جليسا
    إنما الذلُّ في مخالطةِ النا *** سِ فدعْهم تعشْ عزيزاً رئيسا

    وعلى العموم إن نظرة المرء إلى كتب اللغة والطرائف كعيون الأخبار وكتب الأمالي والعِقدِ الفريد، والمستطرف لَيُدهَشُ من كثرة ما ذكروه حول الكتاب ومنزلته عندهم، ومازلنا حتى الآن نتذكر ما سجلته الكتبُ المدرسيةُ من قِطع لأدباء كالجاحظ من القدماء وعباس محمود العقاد من المحدثين، تتناول الكتابَ ومنافعَه، وفي العصر الحاضر انتشرت المنتديات الكثيرة التي يتحدث فيها العلماءُ عن حب القراءةِ، حاكين تجارِبَهم الخاصة التي تبعثُ الهمةَ العاليةَ عند الطلاب كمحاضرة الدكتور عايض القرني، والشيخ الحويني ولا نريد الإطالة بقدر ما نريد الإشارةَ إلى هذه الظاهرة، التي تبين مدى عنايةِ العلماءِ بالكتب وحبِّهم للقراءة.
    أما حرصُهم على جمع الكتب، في خزائنهم، والسعيِ إلى اقتناء الكتب النادرة فشيء عجيب مدهش، لق ذكر ابنُ النديم في ترجمة الفتح بنِ خاقان أن عليَّ بنَ يحيى المنجم، جمعَ له خزانةً من الكتب لم يُرَ أعظمَ منها كثرةً وحسناً، وكان يحضرُ دارَه فصحاءُ الأعراب وعلماءُ الكوفيين والبصريين، وأضاف ابنُ النديم مصوراً حالةَ ثلاثةٍ من أكابر علمائنا مع الكتاب وحبِّهِ، قال أبو هفان: ثلاثة لم أر قطُّ ولا سمعتُ أحبَّ إليهم من الكتب والعلوم، الجاحظُ، والفتحُ بن خاقان، وإسماعيلُ بن إسحاق القاضي، فأما الجاحظ فإنه لم يقع بيده كتاباً قط إلا استوفى قراءتَه كائناً ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكينَ الوراقين، ويَبيتُ (9) فيها للنظر، وأما الفتحُ بن خاقان، فإنه كان يحضُرُ مجالسةَ المتوكل، فإذا أراد القيامَ لحاجة أخرج كتاباً من كُمّه أو خُفّه، وأما إسماعيلُ بنُ إسحاق، فإني ما دخلتُ إليه إلا رأيته ينظرُ في كتاب أو يقلبُ كتباً أو ينفضُها (10).
    وأشار أسامةُ بنُ منقذ إلى قيمة الكتب ومكانتِهَا عند أصحابها فقال: بعد أن سلبَ الصليبيون كلَّ ما يملك: إن سلامةَ أولادي، وأبناءِ أصدقائي ونسائِنا قد خففتْ من آلام فقدي لكل ممتلكاتي، ولكن خسارتي بكتبي آلمتني آلما شديدًا، لقد كانت أربعةَ ألاف مجلد، ولكنها كتبٌ قيمة، وغدا فقدُها باعثَ حزني طِوال عُمُري (11).
    - وقد قدَّر ابنُ شاكر قيمةَ كتبه بخمسين ألف دينار، وكان القِفطي مُغرَماً باقتناء الكتبِ النفيسة، وقُصِدَ بالكتبِ من كل حدَبٍ وصوب، وكان لا يحبُّ من الدنيا سواها، وذكرَ عبدُ اللطيف البغداديُّ عن القاضي محيي الدين البياني العسقلاني المصري، أن بعضَ من يخدِمه بالكتبِ أخبره أن عددَ الكتب في مكتبته بلغ مئةَ ألفٍ وأربعةٍ وعشرين ألفاً، وهذا قبلَ موته بعشرين سنة، وكان له أخٌ له هوَسٌ مفرِطٌ في تحصيل الكتب، عنده نحو مئتي ألف كتاب (12) وذكر الشوكاني أن قطبَ الدين بن علاء الدين النهروالي المتوفى سنةَ 988هـ، صاحبَ كتاب الإعلام في أخبار بيت الله الحرام، والبرق اليماني في الفتح العثماني، كان عظيمَ الجاه عند الأتراك، وكانوا يُعطونه العطاءَ الواسع فيشتري به نفائسَ الكتب ويبذلها لمن يحتاجُها واجتمعَ عنده منها ما لم يجتمعْ عند غيره (13).
    - وفي العصر الحاضر كان العالم الشيخ محمد نصيف مولعاً بالقراءة، كما كان يُعنى بجمع الكتب الأمات من المراجع والمخطوطات حتى أصبحت مكتبته من أشهر المكتبات الخاصة في العالم الإسلامي لاحتوائها على أكثر من ستة آلاف مجلد في مختلف علوم الدين والدنيا، وكانت مفتوحة للعامة، تحدث عنها الشيخ علي الطنطاوي بقوله "وعنده مكتبة من أنفس ما عرفت من المكتبات، ولقد عرفت مكتبة أستاذنا محمد كرد علي في دمشق، وإسعاف النشاشيبي في القدس، وأحمد تيمور باشا، وأحمد زكي باشا، في مصر، ومكتبة ندوة العلماء في لكنو في الهند، ومكتبة الحاج حمدي الأعظمي في بغداد، ومكتبات لا أحصيها الآن، فوجدت مكتبة الشيخ محمد نصيف من أكبرها، وكانت مكتبة مفتحة الأبواب مثل مائدته لكل قادم (14) وقال عنه الشيخ زهير الشاويش: ليس هناك مكتبة عامة أو خاصة عرف أصحابها الشيخ محمد نصيف، وليس فيها كتاب أو كتب هدية منه (15)
    وأكد ذلك المستشار عبد الله العقيل فقال: التقيناه في منزله فأحسن استقبالنا وبالغ في إكرامنا وإهدائنا الكثير من الكتب (16) وكان أول عهده بالكتب عام 1319هـ، حين أرسله جَدُّه إلى السوق، وفي أثناء عودته مرَّ بمكتبةٍ لأحدِ العلماءِ يعرِضُها ورثتُه للبيع، فأقدمَ على شرائها بكاملها، ثم عاد إلى جده وأخبره بما حدث ففرح بذلك، (17) وفي محاضرة ألقاها الشيخ عايض القرني عن القراءة ذكر أن مكتبتَه أهداها إلى طلابِ العلمِ في مأربِ اليمن، وأبقى منها خمسةَ آلافِ كتابٍ مما لا يستغني عنه.

    3- وتبدو الصورةُ الثالثةُ أمامي في إعزاز علمائنا للعربية صورةً بديعةً طريفةً ما أظن أحدا غيرَ مسلم يفطَنُ إليها مهما كان انتماؤه إلى عقيدته و حبُّه الشديدُ لها، وهي من الصور التي تفرَّدَ بها المسلمون فيما أحسب في حبهم للغة القر آن، وهي تمثلُ الغايةَ في إعزاز لغة العربية، تتضح هذه الصورة من الحكايات الآتية، لقد حدثني العلاَّمةُ الثقةُ الشيخ سعيدُ الطنطاوي أن الشيخَ الفاضلَ الدمشقيَّ صلاحَ الدين الزعيم، كان آيةً في الفصاحة، و العربيةُ عنده مقدسةٌ، فكان إذا رأى ورقةً على الأرض فيها كتابةٌ باللغة العربية، يلتقطها ثم يحرقها، وعُلبةُ الكبريتِ دائماً معه في جيبه، ومنذ أيام خلتْ قرأتُ أن الشيخَ العلامة الفهامة أمجدَ الزهاوي البغدادي المتوفى سنة 1883هـ-1967م، كان أيضاً إذا رأى ورقةً أو جريدةً ملقاةً على الأرض التقطَها ووضعَها في جيبه، خشيةَ أن يكونَ فيها اسمُ من أسماء الله الحسنى الشريفة، فتتعرضَ للإهانة، أما الشيخ سعيدُ الطنطاوي نفسُه، فشأنه أعلى وأعجب، فهو يقسو على من يرتدي قميصاً كُتِبَ عليه أيُّ شيء بحروف غير عربية! وسمعته ينبه أحدَ محبيه عند باب مسجد فقيه، بعد صلاة العصر، حين رأى ابنَه مرتدياً قميصاً، مكتوباً عليه بلغة أجنبية، اسمَ لاعبِ كرةٍ أجنبي عالمي - نسيت اسمَه الآن -، قائلاً له: قل لأمه أن تختارَ له القميصَ العاديَ أو القميصَ الذي فيه حروفٌ عربية إن لم تجد، ومن فرْطِ حبه للعربية، وحرصِه عليها أنه كان يمزقُ الورقةَ التي تُلَفُّ بها عُلبُ الحليبِ لكونها تحتوي على ألفاظ ٍعربيةٍ قبل أن يرميهَا في حاويات القُمامة، وقِصصُه في هذا الأمر كثيرةٌ وطريفةٌ، وكان الشيخ محمد الحامد – وهو من علماء مدينة حماة السورية – يأمر أحد الطلا بأن يكنس مخلفات الطباشير المتجمعة تحت السبورة احتراما وتبجيلاً لحروف العربية وخوفاً من أن تكون بعضُ الكلمات هي ألفاظٌ قرآنيةٌ، واعتقادي أن كثيراً من العلماء المعاصرين كانوا على هذا الحال من العربية، وهذه القصص لو جمعتْ لنتجَ عنها كتابٌ كبيرٌ طريف،،، وسبحان الله إن الجامعَ بين هؤلاء العلماء –القدماء - حين قدسوها بأقلامهم على نحو ما سجله الثعالبي في مقدمة كتابه فقه اللغة، - والمحدثين - حين قدسوها بهذا السلوك --هو الورعُ الديني الراقي الذي أدى إلى حبِّ العربيةِ وتقديسِها، وهذا الإحساسُ الراقي لم يقتصرْ على العلماء، بل امتد إلى العامة كباراً وصغاراً، فنجدُ في البلدان العربية والإسلامية ظاهرةَ وضعِ الأوراقِ المكتوبةِ بالعربية في الثقوبِ الخارجيةِ لجدران المنازل لاسيما في الأزقةِ والحارات القديمة، وفي كل مكان ترتفعُ به عن مداسات الأحذية والأقدام (18)، وكان بعضُ العوام يحفِرُ في ترابِ البساتين ليضعَ فيها ورقَ المُصحفِ، حيث يخشى من طيران ما تبقى منه إذا قام بحرقه، وهذا الإحساسُ بقداسةِ العربية لايزال قائماً على مستوى البلديات، ففي السعودية – ولعل هناك بلداناً عربية وإسلامية أخرى -انتشرت الحاوياتُ الخاصةُ بالجرائد والصحف، انتشاراً واسعاً، فجزى اللهُ القائمين على ذلك كلَّ خير وتوفيق، وليباركِ اللهُ لأولئك الذين يلصَقون إعلاناتِهم بأبواب المساجد وداخلها، متضمنةً أرقامَ هواتفهم، لجمعِ المصاحفِ القديمةِ، صوناً لها، وتكريماً، وليت ثقافةَ تقديسِ العربيةِ ننشرُها بين أولادنا وطلابنا في المراحل الابتدائية.

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    اٌلِـفّــًرُاٌشْة
    تاريخ التسجيل: March-2020
    الدولة: آلِّعَّــرِآقٍّ
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 23,852 المواضيع: 7,454
    صوتيات: 3 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 8021
    مزاجي: اٍّلَّحّْمُّدٌّ الَله
    أكلتي المفضلة: آلِّعَّصِّآئرِ
    موبايلي: ☎☎☎
    لجهودك باقات من الشكر والتقدير
    على المواضيع الرائعه والجميلة

  3. #3
    سفير السلام ..مراقب عام
    مستشار قانوني
    تاريخ التسجيل: April-2020
    الدولة: العراق.. الديوانية
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 24,172 المواضيع: 1,436
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 48296
    مزاجي: مبتسم
    المهنة: الحقوقي
    أكلتي المفضلة: الباجه.. الكباب.. سمك مشوي
    موبايلي: هواوي =Y9 مع ريل مي 51
    آخر نشاط: منذ 20 دقيقة
    مقالات المدونة: 3
    عاشت الأيادي

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال