ظروف الحياة تحرم الفتيات في العراق من التعليم
سلط تقرير نشرته منظمة “إنتر نيوز” المدنية، الضوء على أوضاع الفتيات العراقيات في المناطق التي يغيب عنها التعليم الإلزامي، حيث أصبحن ضحايا العادات والتقاليد في مجتمعات تلك المناطق.
وسرد التقرير، قصص عدد من الفتيات اللواتي ابتعدن عن مقاعد الدراسة خلال سيطرة تنظيم الدولة على مناطق واسعة شمال وغرب العراق عام 2014.
الفتاة (ز.ع)، 17 عاما، التي نزحت مع عائلتها إلى مدينة النجف، وجدت، في إحدى العشوائيات جنوب المدينة، في حي الصدريين ذي الأغلبية النازحة من قضاء تلعفر، مسكنا لها، لكن هذه المنطقة كانت تفتقد إلى الخدمات الصحية والتعليمية.
وتحدثت الفتاة الموصلية عن معاناة اجتماعية عصيبة جعلتها جليسة المنزل ولم تكمل تعليمها الذي كان حلمها، وهي تعيش الآن على أمل العودة الى مدرستها التي أبعدها عنها والدها في مرحلة الخامس الابتدائي.
وقالت إن «حرمانها من إكمال التعليم بسبب العادات والتقاليد والموروثات العائلية الثابتة، معاناة كبيرة»، فيما لا تريد والدتها أن ترى تكرار تجربتها المريرة من خلال ابنتها، فهي أيضاً حرمت من الدراسة في سن مبكرة (الخامس الابتدائي) وتم تزويجها قبل سن الخامسة عشرة.
وتابعت (ز. ع) بالحديث عن سلطة عمها حيث يسيطر على العائلة وباستطاعته اتخاذ القرارات وتوجيه والدها قائلة، «لا تسمح قواعد العائلة للبنات إكمال الدراسة حتى المرحلة الابتدائية، تعلم القراءة والكتابة يكفي بالنسبة لهم، ليس للبنت حق اجتياز الصفوف الابتدائية الأولى».
وأضافت أنها عانت كثيرا من أجل إقناع الأهل من أجل معاودة الاستمرار ومواصلة التعليم في محافظتها الجديدة النجف، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل أمام الصلاحيات الممنوحة للعم، حيث كان والدها أُميا ولم يتلق أي تعليم ولا يجيد القراءة والكتابة، وكان يعمل في أعمال البناء وهو الآن مصاب بتجلط الدم في الدماغ، ويرقد في المستشفى، وتحرص العائلة على عدم إيذاءه بالتطرق لموضوع عودة (ز.ع) للتعليم.
وبعد البحث والزيارات الميدانية تبين، وفق التقرير أن المنطقة تخلو تماما من أي مدرسة ويلجأ الأهالي إلى إرسال الأولاد (البنين تحديدا، وفي بعض الأحيان البنات) إلى مدارس حي الرضوية على بعد 2 كلم، ويبلغ عدد تلميذات المسجلات في الصفوف الابتدائية في المنطقة المشارة إليها حسب شعبة الإحصاء في تربية النجف 12 فتاة فقط، ثلاث تلميذات في الصف الأول الابتدائي وثلاث أخريات في الصف الثاني، ويبدأ العدد بالتناقص وصولا إلى صف السادس الابتدائي (تلميذة واحدة فقط).
وأشارت شعبة الإحصاء إلى أن عدد الطالبات في مرحلة المتوسطة هو (0) أي عدم وجود أي طالبة تكمل الدراسة المتوسطة في الحي المذكور.
الباحثة الاجتماعية (خ.ا) أوضحت أن هناك محاولات كثيرة لإرجاع (ز.ع) الى المدرسة، وذلك من خلال جلسات فردية مع الأم تارة ومع الأب تارة أخرى، إنما دون نتيجة تذكر، حيث بقي الأب على موقفه. وتسانده في ذلك حسب قول الباحثة، شقيقته إذ لا ترى ضرورة تعليم البنات. وعلى صعيد متصل تبين الأم أن كثرة المحاولات وإصرار الفتاة دفعا الأب لقبول عودتها الى المدرسة واكمال دراستها، ولكن القرار الأخير بقي للعم الذي منع عودتها منعا باتا.
وبينت أن هذه الفتاة الموصلية تعيش اليوم حسب قولها “معاناة يومية” بعد منعها من إكمال الدراسة، وتعمل الأم على تعليمها الطبخ والتنظيف كجزء من مفهوم العائلة الخاصة بتربية البنات وإعدادهن للحياة الزوجية، ذلك أن تزويج الفتاة في العائلة يتم بين أعوام 13-15 كحد أقصى ويعتبر هذا الموضوع من الموروثات المهمة للعائلة حسب قول الأم.
وحسب التقرير، رغم المحاولات الكبيرة لإشراكها في جلسات التثقيف والمهارات الحياتية كتعلم الخياطة ومهارات الصالون، لكن الفتاة تعيش معاناة يومية، وتقول أنها “تشعر بالغيرة” حين ترى أي فتاة بعمرها وهي تواكب التعليم.
وفي هذا السياق قالت المحامية سارة الأسدي، إن السبب الأساسي في حرمان الفتيات من التعليم “يعود عدم وجود قانون ملزم لأولياء الأمور لمتابعة الفتاة تعليمها، ناهيك بهيمنة العادات والتقاليد على افكار الأولياء مما ينعكس سلبا على حياة بعض الفتيات وضياع مستقبلهن واحلامهن».
وطالبت، بإعادة الحياة لقانون الزامية التعليم الذي بدأ تطبيقه عام 1978 ونجح في رفع مستوى التعليم الأساسي في العراق ويجب ان يشمل التعليم الإلزامي برأيها المرحلة المتوسطة أيضا. يذكر أن العراق وقع عام 1986 على اتفاقية «سيداو» والتي تعد من أهم مواثيق الأمم المتحدة لمناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، إلا أن الواقع التعليمي والاجتماعي في البلاد يقف بضد كل بنود تلك الاتفاقية. حيث لازال حرمات الفتيات من التعليم، ناهيك عن ممارسة أشكال متنوعة من العنف ضدهن، واحدة من التحديات التي تواجه واقع المرأة العراقية.