"كوب اخر من القهوة."
كوب اخر من القهوة بِجانبى. يشتَد برد الشِتاء المُظلِم ليلاً، و انغَمِس اكثر فى هذا الكُرسْى المُطِل على الشُرفة المُتهالِكة. اُراقِب الناس يتسارعون للهروب من ظُلمات الليل، كما اراقب الاشجار التى هجرها الطير، و لكنى لا اهتم. استطعت ان اجد الراحة و السكينة فى هذه العتمة الباردة. اُغلِق عيناى للحظة، اشعُر بالتعب، و لكن لا ينتابنى النُعاس كالمُعتاد. هكذا الاحوال مؤخراً، ارق الليل يقلقنى، و يتركنى غارقة فى بحر افكارى المميتة و امواج الحنين إلى الماضى. اصبحت فى حالة ابدية من "اللا شئ"، لا ادرى من اين يأتيى ما انا فيه من هدوء تام، بالرَغم من الصراع المُتلاحِم بداخلى. ينتابُنى الحزن شديداً كسكرات الموت بين كل حينٍ و الاخر، و لكنى اصبحت لا اهتم بكل بساطة. كان هو الدافِع و الغرَض الوحيد من هذه الحياة البائِسة، كان هو كوب القهوة الذى يبقينى ُمستيقظة ليلاً. تشتاق بقايا روحى التعيسة إلى ما كان يزرعه فى قلبى من شوق. احمِل صورته التى ابهَتها الزمن داخل ثنايا قلبى المُتألِم. تُرى اذا جاء حاصِد الارواح ليُخَلِصنى من ما انا فيه من سكينة مُتقلِبة و صِراع داخلى دفين، أيجد ما يحصد؟ أيكفيه ما احمِل داخل صدرى من جوفٍ تحت مسمى روح؟ ام يذهب، فيترُكنى مرة اخرى، شارِدة فى افكارى اللعينة؟ أليس لى من خلاص؟ ألا يوجد من يحتَضِن يداى الذابِلتان وسط هذا الشتاء القاسى؟ ام انه مكتوبٌ علىَّ ان اسبح وسط هذا البحر المُتلاطم من الضَلال؟ اسئلة تَشُق طريقها و تبنى بيتاً يَحتل رأسى، و لكنى لا ابحث عن إجابة، فأنا لا اعبئ. اُعذُر افكارى المُشتتة أيها القمر الرفيق. سحقاً، فقد بَرِد كوب القهوة وَسطْ هذا العَبث.
م