بغداد – شذى الجنابي
رجاء عروس لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها.. لم يدم زواجها الا اشهرا قليلة،غضب زوجها عليها بسبب تكرار زياراتها اليومية لبيت اهلها.. وكوثر ترى ان زوجها رجل لايستحقها، حيث اكتشفت بعد زواجهما تقصيره ماديا عليها وضعف شخصيته وسيطرة والدته على كل قراراته الخاصة.. اما مها ترى ان زوجها ما زال يقيم العلاقات العاطفية مع الفتيات رغم اختياره لها وتعهده اليها بقطع جميع علاقاته العاطفية السابقة لاسيما ان بينهما طفلا ما زال في شهوره الاولى، اذ لم يمض على ارتباطهما سوى عام ونصف..
وهناك الكثيرات والكثيرون امام ابواب المحاكم الشرعية لهم قصص متشابهة في اسبابها وهم متواجدون هنا لاكمال اجراءات تتعلق بقرار الطلاق.. اغلب قصصهم اثارت دهشة المختصين والعاملين في المحاكم الشرعية هذا ما قاله محمد القيسي في مجمع دار العدالة – محاكم الكرخ حيث اوضح ان حقوق الانسان في العراق معدومة بكل اشكالها، ويخشى ان تتفاقم ظاهرة الزواج المبكر في أوساط الفتيات دون الثامنة عشرة من العمر في السنوات العشرين المقبلة، بالرغم من الجهود المبذولة للحد من هذه الظاهرة التي تضر كثيرا بصحتهن ومستواهن التعليمي، على ما حذرت الامم المتحدة.
واذا حدث ذلك، فمن المتوقع أن يرتفع عدد الزيجات المبكرة في مختلف دول العالم من 1 ,2 مليون حالة مسجلة في العام 2010 إلى 15.1 مليون حالة مرتقبة في العام 2030 بزيادة 14 في المئة بحسب التقرير الذي نشره صندوق الامم المتحدة للسكان في مناسبة اليوم العالمي للفتاة.وتابع القيسي انتشرت ظاهرة الطلاق المبكرالتي تعد من اهم المشاكل التي تواجه الفتاة، اذ ان قرار الانفصال السريع يهدد بكارثة اجتماعية خطيرة، وتعتبر ظاهرة تتزامن مع التطورات اللاحقة والمتسارعة في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع كما هي في المجتمعات الاخرى فضلا عن كونها متجذرة في سلوكيات المجتمع العراقي، واغلب الزوجات الان من الاعمار الصغيرة جدا ( القاصرات)، اللواتي لايدركن حجم المسؤولية وقرار الزواج يتحكم فيه الاهل لينعكس بعد ذلك على الحياة الاسرية لهذه العائلة، فتتخذ القرارات بانهاء الحياة الزوجية من قبل الآخرين في الغالب !! حتى ان القاصرين من الازواج احيانا لايعلمون عن طبيعة وقائع الطلاق ولماذا وقع ؟ لان الزوج القاصر يظن بأنه باق على تبعيته لابويه، وهذه الحالة مشخصة في اروقة المحاكم الشرعية وفي ملفات القضاء العراقي وحتى ان المشرع العراقي في القانون عالج هذه الحالة حينما اوجب موافقة ولي الامر فيما يتعلق بمعاملات القاصرين حتى بعد زواجهم.. ملفتا الى ان القضاء يطبق النص القانوني والامريتعلق بموافقة ولي الامر ووجود المصلحة، واكثر القاصرين يتزوجون خارج المحكمة ليصدق بعد ذلك امام القضاء ولا يترتب عليه اي اثر. نقترح بشأن التقليل من حالات الطلاق المبكر تشكيل لجنة او هيئة تسمى لجنة الاصلاح الاسري يتكفل بها رجال الدين والوجهاء، اذ تعطي الفرصة الكافية من الزمن لتقريب وجهات النظر وتكون مرحلة سابقة لمرحلة اقامة الدعوى على ان يصدر قانون بذلك.
وفي استطلاع اجراه ملحق " ديمقراطية ومجتمع مدني " خلال الطاولة المستديرة التي اقامتها الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان على قاعة جمعية المهندسين العراقيين تحت شعار " القضاء على زواج الفتيات الصغيرات "، تحدث عن هذه الظاهرة عدد من الاكاديميين ورجال القضاء، ومنظمات المجتمع المدني ويهدف تركيز الاهتمام والتصدي لحالات زواج الاطفال وتعزيز تمكينهن من ابداء رأيهن في الامتناع عن هذا الزواج واثبات حقوقهن الانسانية كاطفال .
ثغرات قانونية
قال رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان محمد حسن السلامي : نص قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 على احكام الزواج ووضع القواعد التي تجعل الزواج للقاصرات امرا مرفوضا ودعا الى تشريع القوانين الوطنية التي ترفع سن الزواج الى 18 عاما، ووجدنا من الضروري مناقشة الظاهرة في تلك الندوة ووضع اهم النقاط للمناقشة بجدية ومنهجية منها معالجة الظاهرة من الناحية القانونية وعدم تنفيذ اولياء امور القاصرات باستغلال ثغرات
قانونية بتزويج الفتيات القاصرات، بالاضافة الى الحد من ظاهرة الزواج لدى (السيد ) خارج القضاء، ومعالجة الظاهرة من الناحية النفسية والصحية والتنمية الاسرية، ودور منظمات المجتمع المدني المهتمة بالطفل والمرأة، فضلا عن دور رجال الدين وموقف الفكر الديني من تلك الظاهرة.
تفعيل القوانين
ومن جهته اشار القانوني الدكتور موحان لعيبي الى حل جميع المشاكل، واختيار حكومة ديمقراطية وفق برنامج تتفق عليه جميع القوى المنتخبة ولمصلحة الانسان العراقي، والاستفادة من ثروات النفط
لبناء مجتمع قادرعلى بناء بلده والقضاء على الفساد بكل اشكاله بالاضافة
الى التخلص من المؤثرات الاجتماعية والحزبية، وتفعيل قانون التعليم الالزامي، فضلا عن ان زواج القاصرات
يعد انتهاكاً للحقوق الاساسية للانسان وفقا للمـــــــواثيق والمعاهدات الـــدولية.
ويؤدي الزواج المبكر غالبا إلى التسرب المبكر من المدارس والتبعية الاقتصادية وصعوبة الحصول على فرصة عمل.
وسيعرقل زواج القاصرات المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
ويتم تزويج الفتيات الصغيرات في العادة لأزواج أكبر بكثير منهن وحتى اذا كن على دراية بحقوقهن فانهن لا يستطعن المطالبة بها. وعلى هذا الاساس نحث الحكومات على مراجعة تشريعاتها وقوانينها الوطنية لكي تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الانسان
الفصل العشائري
وفي هذا الصدد اثار عضو لجنة حقوق الانسان في الجمعية الوطنية ناصر الابيض قضية الفصل العشائري : وقال قبل فترة قصيرة كنت احد الحاضرين في الفصل العشائري بقيت الفتاة موقوفة الى حين مطالبة العشيرة بها واكثرهن بلغت اعمارهن بين 7 سنوات – 13 سنة.
أسباب الطلاق
وعلقت المعالجة النفسية والاجتماعية سعاد الربيعي على اسباب تزايد حالات الطلاق المبكر بانها ناجمة عن عدم تفاهم الطرفين وعدم توافقهما وبالتالي ينتج فقدان الاستقرار العائلي، بالاضافة الى المبالغة في تدخلات الاهل من الطرفين، وتعتقد الربيعي ان تلك الاسباب كفيلة بالقضاء على الحياة الزوجية وانهائها.. فضلا عن التسرع المزاجي في طلب الزواج لاسيما من قبل الشباب دون بناء علاقة حقيقية مع العروس والتمتع بدرجة كافية من النضوج والمسؤولية.. لان قرار الطلاق المبكر غالبا ما يكون انفعالياً متسرعاُ يتخذ قبل بذل الزوجين الطرق الممكنة والمساعي المطلوبة لحل المشكلات بينهما،موضحة بأن واحدة من بين اربع متزوجات يتعرضن للعنف الجسدي بسبب فشل الرجل ماديا او جنسيا ما يضطره لتعويض ذلك بالعنف والاهانات الموجهة لزوجته، كذلك الزوجة صغيرة السن لاتتحمل معاناة الحياة بسبب قلة تجاربها وهي لاتعطي فرصة لزوجها للتغييروالتطوير، لانها تريد كل شيء بسرعة ودون صبر.. وهذا مايعقد الحياة الزوجية ويأخذها الى طريق مسدود.
خارج المحكمة
تشيرالربيعي الى زيجات تعقد خارج اسوار المحكمة اي زواج ( السيد ) لمراهقات دون السن القانوني المعترف به من قبل المحكمة الشرعية،ما يفتقد هذا الزواج الى الاختيار الصحيح، اذ يغيب الحوار بين الزوجين وتتفاوت مستويات التعليم والثقافة بينهما فضلا عن غياب المعرفة الحقيقية المشتركة لاحدهما عن الاخر من ناحية المستوى الاجتماعي او الصحي،اذ يتم ذلك كله بعد الزفاف ليكتشف الزوج او الزوجة اشياء قد لايرغبها في شريك المستقبل فيتم التباعد والنفور.
قوانين مجمدة
في هذا السياق اكدت سكرتيرة رابطة المرأة العراقية شميران مروكل : على وجود قوانين عديدة ما زالت فاعلة يؤخذ بها وتحتاج الى تعديل او الغاء لكي تتلاءم مع نصوص الدستور العراقي لتحمي حقوق الانسان وخصوصا المرأة، بالاضافة الى وجود قوانين مجمدة بحاجة الى تفعيل .. ونحن مقبلون على مناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان والذي يصادف العاشر من كانون الاول الجاري سبقه اليوم العالمي للعنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني والذي حددته الامم المتحدة ولمدة 16 يوما يتميز بالفعاليات المحلية والاقليمية والعالمية للمطالبة بحقوق المرأة وحمايتها من العنف بكل اشكاله.
حقوق الفتيات
فيما تحدث عبد الرضا الزبيدي تدريسي في جامعة بغداد : من الضروري منع تزويج الأطفال كونه يحمي حقوق الفتيات ويساعد في الحد من مخاطر العنف، والحمل المبكر، والوفيات اثناء الولادة، وعندما تتمكن الفتيات من البقاء في المدرسة ويتجنبن الزواج المبكر، فإنهن يتمكن من وضع الأساس لبناء حياة أفضل لأنفسهن وأسرهن ويشاركن في تقدم بلدانهن، والحكومة مع الجهات المعنية في المجتمع المدني والمنظمات النسوية والمجتمع الدولي، مدعوون لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل وضع حد لممارسة زواج الفتيات الصغيرات . وعليه وجب سن التشريعات المناسبة لرفع الحد الأدنى لسن زواج الفتيات إلى 18 عاماً وتطبيقه وزيادة الوعي بأن تزويج الأطفال يعد انتهاكا لحقوق الإنسان المكفولة للفتيات دوليا . وعلى البرلمان والحكومة العراقية العمل على تحسين فرص الحصول على التعليم الابتدائي والثانوي، وضمان القضاء على الفجوة بين الجنسين في التعليم، وحشد الفتيات والفتيان والآباء والقادة لتغيير العادات الاجتماعية القديمة، وتعزيز حقوق الفتيات، وخلق الفرص لهن لمواصلة التعليم وفق إمكانياتهن . كما يجب تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والمهارات والفرص المناسبة لكسب سبل العيش. وعلى أجهزة الدولة والمجتمع المدني دراسة ومعالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء تزويج الأطفال.