" سلام عليك أيها النيل، المتفجر من الأرض لتعطى الحياة لمصر!" هذا بعض ما كان يرتله الكهنة و الشعب فى عيد الفيض. وبهذا المعنى قالالعالم اليونانى هيرودوت
" أن مصر عطية النيل"، وكان قد زار هذه البلاد التى بلغ عمرها آنذاك 3000 سنة. فتكون مصر الخصبةعبر العصور شريطاً يمتد طوال حوض النيل الذى يبلغ عرضه أحياناً 20 كلم، لا يتسعالسهل الخصب حول هذا النهر إلا فى الدلتا الساحلية. و النيل نهر منتظم : فى الفترةبين حزيران و ايلول، يفيض و ينشر على ضفتيه اوحالاً مخصبة تعطى محاصيل وفيرة. إلاان رى الأراضى كان يستلزم جهوداً جماعية كبيرة، كما فى بلاد ما بين النهرين، مثلحفر القنوات وبناء الخزنات و السدود ... و لتأمين حسب سير تلك الأشغال، كان لابدمن التعاون بين سكان قرى الضفاف تحت سلطة رئيس واحد او من ينتدبه، لتنسيق الأعمالالموسمية التى كان يتوقف عليها أزدهار البلاد بكاملها. وعلى هذا الأساس كان يتوطدسلطان الفرعون و حكمه، ويطرد تقدم الحضارة المصرية.
فى بلاد النيل هذه، وجدتآثار قديمة جداً للوجود البشرى. إلا ان المدن و الدول الأولى لم تبرز إلى الوجودإلا قرابة العام 4000 ق.م. و مع توحيد تلك الدول بشكل ثابت تحت سلطة ملك او فرعونواحد، شهدت الحضارة المصرية أنطلاقة جبارة. يسمى المؤورخون هذه الحقبة "الأمبراطورية القديمة " التى دامت من سنة 2600 حتى 2400 ق.م. بعدما مر علىمصر عهد طويل من الفوضى و التفكك، ثم أعيد توحيدها تحت اسم " الأمبراطوريةالوسطى " ( 2000 - 1800 ق.م. )، شهدت مصر خلالها أزدهاراً فى شتى الحقول. ثمضعفت السلطة المركزية، مما أتاح غزو مصر من قبل شعوب الهكسوس الآسيوية.
فى سنة 1590 ق.م. عادوادى النيل إلى السيادة المصرية، وبهذا الحدث بدأت " الأمبراطورية الجديدة" التى دامت حتى سنة 1085ق.م. و تعاقب على حكمها أشهر الفراعنة، أمينوفيسالثالث ( 1400-1370 ق.م )، ورمسيس الثانى ( 1298-1235 ق.م. ). فى هذه الحقبة فرضالمصريون سيطرتهم على الشعوب المجاورة، خاصاً النوبيين جنوباً وسكان فلسطين وسوريا شرقاً. فى القرن الحادى عشر قبل الميلاد، أخذ الحكم الفرعونى فى الأنحطاطوتوالت على البلاد غزوات كثيرة.
كان على رأس الشعبالمصرى فرعون يوجه كل نشاطاته، و يحميه من الأعداء، ويمثله أمام الالهة. وبكلمةواحدة كان مسؤول عن سعادة الشعب المصرى و أزدهاره المادى و الفكرى. فشيئاً فشيئاًبات الشعب ينظر إليه كاله حقيقى نزل إلى الأرض ليحمى ليحمى وادى النيل المباركة ويساعد سكانها. ثم بعد موته كان لابد من أستعادة طبيعته الحقيقة الخالدة.
كان الفرعون محاطاً بعددكبير من المعاونيين، فى مقدمتهم الوزير الذى كان تحت أمراته حاكم لكل مدينة ومنطقة من البلاد. وهكذا كان يعاونه جيش من الموظفين الكتبة الذين كانوا أعمدةالإدارة.
الوزير و الحكام والموظفون وكبار الكتبة كانوا يشكلون النخبة المقربة من الحكم. كان الفرعون يمنحهمالأراضى الزراعية الخصبة و العبيد لأستثمارها، ويجود عليهم بالمناصب و الهدايا. وكانوا يتمتعون بمستوى من الرفاهية و البذخ ماكان ليحلم به الشعب من قرويين و عمالو أسرى و عبيد، مما يجعلهم يعتبرون العيش فى مصر بحماية الفرعون بركة من الألهة.
كانوا المصريون شديدىالتدين، منشغلين بالحياة الثانية أى ما وراء القبر. و كان لكهنتهم منصب أجتماعىمرموق و من مهماتهم التعليم الذى كانوا يقومون به فى " بيوت الحياة "المجاورة للهياكل، هذا فضلاً عن المدارس الأبتدائية المعدة لتعليم القراءة و الكتابة، أما " بيوت الحياة " فكانت تضم مؤسسات عليا لتلقين النخبة علوم الوحى، مثل الرياضيات و الطب و الهندسة و المحاسبة و الفنون و الأدب ...
القوة العسكرية :
من على مركبته المذهبة، يستعرض الفرعون، وهو الرئيس الأعلى للجيوش، الوحدات المصرية المسلحة فى أحدى الحاميات الجنوبية ببلاد النوبة. و المفرزة تضم الأسلحة الثلاثة التى تؤلف الجيش البرى : الرماة و العربات و المشاة. أثناء القتال، يسدد الرماة سهامهم إلى العدو من مسافة 150 متراً، محتمين بالعربات المنتشرة التى يقودها النبلاء، و التى تشترك بالقتال بعد أن يقضى الرماة على العديد من جنود العدو. ذلك أن تلك العربات تكلف غالياً، فهى مصنوعة من الخشب الثمين المصفح بالأطواق المعدنية و الجلد. كل عربة تحمل حوذيا يقود الحصانين و مقاتلاً مسلحاً بسيف و قوس. تشن العربات هجومها بالعشرات بسرعة 30 الى 40 كلم فى الساعة، بتشكيلات متراصة تزرع الرعب فى صفوف الأعداء. يتبع العربات مشاة يركضون صارخين، مسلحين بالتروس الكبيرة و الحراب و السيوف. مهمتهم تصفية ما تبقى من الأعداء.
كانت مصراً بلداً زراعياً بالدرجة الأولى، ويعود خصب الأرض إلى فيضانات النيل. وكان القرويون بغالبيتهم الساحقة مواطنين أحرار يعملون لحساب رب العمل. أما العبيد فكانوا يلحقون أما بالأعمال المنزلية أو بالمناجم حيث المحكومون و الجانحون. غالباً ما نرى مشاهد العمل فى قبور الفراعنة و الوزراء و الموظفين الأغنياء : عمال يحرثون الأرض و يبذرونها و يعصرون العنب بإشراف الكاتب. و الحرفيون يحفرون الخشب و يصهرون المعادن، يصنعون الجلد و ينسجون، فإن الفرعون كان يجند كل القرويين لترميم السدود، كما كان يشغلهم فى تشييد الابنية.