عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ)
إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَالَ لَهُ :
مَرْحَباً بِكَ يَا سَعْدُ .
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : بِهَذَا الِاسْمِ سَمَّتْنِي أُمِّي . وَمَا أَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُنِي بِهِ !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : صَدَقْتَ يَا سَعْدُ الْمَوْلَى .
فَقَالَ الرَّجُلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ بِهَذَا كُنْتُ أُلَقَّبُ !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَا خَيْرَ فِي اللَّقَبِ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :
﴿وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ . مَا صِنَاعَتُكَ يَا سَعْدُ ؟
فَقَالَ الرَّجُلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَنْظُرُ فِي النُّجُومِ ،
لَا نَقُولُ إِنَّ بِالْيَمَنِ أَحَداً أَعْلَمَ بِالنُّجُومِ مِنَّا .
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَأَسْأَلُكَ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ : سَلْ عَمَّا أَحْبَبْتَ مِنَ النُّجُومِ ، فَإِنِّي أُجِيبُكَ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمٍ .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : كَمْ ضَوْءُ الشَّمْسِ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ دَرَجَةً ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَكَمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ عَلَى ضَوْءِ الزُّهَرَةِ دَرَجَةً ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَكَمْ ضَوْءُ الزُّهَرَةِ عَلَى ضَوْءِ الْمُشْتَرِي دَرَجَةً ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَكَمْ ضَوْءُ الْمُشْتَرِي عَلَى ضَوْءِ عُطَارِدٍ دَرَجَةً ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَمَا اسْمُ النَّجْمِ الَّذِي إِذَا طَلَعَ هَاجَتِ الْبَقَرُ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَمَا اسْمُ النَّجْمِ الَّذِي إِذَا طَلَعَ هَاجَتِ الْإِبِلُ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ ! فَمَا اسْمُ النَّجْمِ الَّذِي إِذَا طَلَعَ هَاجَتِ الْكِلَابُ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي !
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَدَقْتَ فِي قَوْلِكَ لَا أَدْرِي .
فَمَا زُحَلُ عِنْدَكُمْ فِي النُّجُومِ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ : نَجْمٌ نَحْسٌ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : مَهْ ! لَا تَقُولَنَّ هَذَا فَإِنَّهُ نَجْمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ،
وَهُوَ نَجْمُ الْأَوْصِيَاءِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) وَهُوَ النَّجْمُ الثَّاقِبُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ .
فَقَالَ لَهُ الْيَمَانِيُّ : فَمَا يَعْنِي بِالثَّاقِبِ ؟
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ مَطْلِعَهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَإِنَّهُ ثَقَبَ بِضَوْئِهِ حَتَّى أَضَاءَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا .
فَمِنْ ثَمَّ سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّجْمَ الثَّاقِبَ . يَا أَخَا الْيَمَنِ عِنْدَكُمْ عُلَمَاءُ ؟
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ : نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ .
إِنَّ بِالْيَمَنِ قَوْماً لَيْسُوا كَأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِي عِلْمِهِمْ .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا يَبْلُغُ مِنْ عِلْمِ عَالِمِهِمْ ؟
فَقَالَ لَهُ الْيَمَانِيُّ :
إِنَّ عَالِمَهُمْ لَيَزْجُرُ الطَّيْرَ وَيَقْفُو الْأَثَرَ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ لِلرَّاكِبِ الْمُجِدِّ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَإِنَّ عَالِمَ الْمَدِينَةِ أَعْلَمُ مِنْ عَالِمِ الْيَمَنِ .
فَقَالَ الْيَمَانِيُّ : وَمَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِ عَالِمِ الْمَدِينَةِ ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : عِلْمُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ لَا يَقْفُو الْأَثَرَ وَيَزْجُرُ الطَّيْرَ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ الشَّمْسِ تَقْطَعُ اثْنَيْ عَشَرَ بُرْجاً وَاثْنَيْ عَشَرَ بَرّاً وَاثْنَيْ عَشَرَ بَحْراً وَاثْنَيْ عَشَرَ عَالَماً .
فَقَالَ لَهُ الْيَمَانِيُّ : جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَعْلَمُ هَذَا أَوْ يَدْرِي مَا كُنْهُهُ ؟!
ثُمَّ قَامَ الْيَمَانِيُّ فَخَرَجَ .
*
المصدر : (الخصال : ج2، ص489.)